مشاعرنا الإنسانية تفوق قدرتنا كثيراً، ولأجلها نحتاج ضعف العمر، وتتركز المشاعر ويتجلى الصدق بأسمى معانيه في لحظات وأوقات الغروب .. حين تصبح شمس الإنسان على أطراف العسبان.. ويحس أنه ملاقٍ ربه عز وجل، عمّا قريب، فتفيض نفس الشاعر بخلاصة الصدق، وعصارة العمر، لا نقول كأنها مشاعر مودّع، بل هي كذلك فعلاً، وصيِّة مودع، ومشاعره.. أمام الموت يتساوى الجميع.. ومن القصائد الرائعة التي قيلت في آخر الدنيا وأول الآخرة: يَا رَبِّ إِنْ عَظُمَتْ ذُنُوبِيَ كَثْرَةً فَلَقَدْ عَلِمْتُ بِأَنَّ عَفْوَكَ أَعْظَمُ أَدْعُوكَ رَبِّ كَمَا أَمَرْتَ تَضَرُّعاً فَإِذَا رَدَدْتَ يَدَيْ فَمَنْ ذَا يَرْحَمُ إنْ كَانَ لاَ يَرْجُوكَ إلاَّ مُحْسِنٌ فَمَنِ الذِي يَرْجُو المُسِيءُ المُجْرِمُ ؟ مَا لِي إِلَيْكَ وَسِيلَةٌ إلاَّ الرَّجَا وَجَمِيلُ ظَنِّيَ ثُمَّ أَنِّيَ مُسْلِمُ (أبو نواس) خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟ أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟ أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بقِيَتْ سوى ثُمالةِ أيامٍ.. وتذكارِ بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا قلبي العناءَ!... ولكن تلك أقداري أيا رفيقةَ دربي!.. لو لديّ سوى عمري لقلتُ: فِدى عينيكِ أعماري أحببتني.. وشبابي في فتوّتهِ وما تغيّرتِ والأوجاعُ سُمّاري منحتني من كنوز الحُبّ. أَنْفَسها وكنتُ لولا نداكِ الجائعَ العاري حتى قال: وأنتِ!.. يا بنت فجرٍ في تنفّسه ما في الأنوثة.. من سحرٍ وأسرارِ ماذا تريدين مني؟! إنَّني شَبَحٌ يهيمُ ما بين أغلالٍ. وأسوارِ هذي حديقة عمري في الغروب.. كما رأيتِ... مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ الطيرُ هَاجَرَ.. والأغصانُ شاحبةٌ والوردُ أطرقَ يبكي عهد آذارِ لا تتبعيني! دعيني!.. واقرئي كتبي فبين أوراقِها تلقاكِ أخباري وإنْ مضيتُ.. فقولي: لم يكن بطلاً وكان يمزجُ أطواراً بأطوارِ هذي حديقة عمري في الغروب.. كما رأيتِ... مرعى خريفٍ جائعٍ ضارِ ويا بلاداً نذرت العمر.. زَهرتَه لعزّها! ... دُمتِ!... إني حان إبحاري تركتُ بين رمال البيد أغنيتي وعند شاطئكِ المسحورِ. أسماري إن سألوكِ فقولي: لم أبِعْ قلمي ولم أُدنّس بسوق الزيف أفكاري وإن مضيتُ.. فقولي: لم يكن بَطَلاً وكان طفلي.. ومحبوبي.. وقيثاري يا عالم الغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري وأنتَ أدرى بإيمانٍ مننتَ به ِ عليّ.. ما خدشته كل أوزاري أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي أيرتُجَى العفو إلاّ عند غفَّارِ؟) غازي القصيبي -رحمه الله- أشوف ديّاني وقّف لي على الباب يبي الوفا منيّ ويطلب حسابه ماينّسي دينٍ تقفّاه طلاب الدين مايوفيه كثر الطلابه يافيصل أودعّك توديع الاحباب لاتحتريه انّه يجي من غيابه غيبة دهر ماهي شهر عدّ وحساب في مظلمٍ ينهال فوقي ترابه ابيك ماتجزع وتفزع وترتاب انّ جاك من ينعي ويشلع ثيابه عمر البكا مافاد حيٍ ولاثاب لوّ سرّ غيرك كان سرّ الندابه اعزم وشم وأصعد من المجد مرقاب واطلب لبوك انّه يخفّف عذابه وعليك بخوانك وربعك والاقراب حقيّ عليك مواصلك للقرابه يافيصل أودعّك توديع الاحباب لاتحتريه انّه يجي من غيابه حتى قال: بلغتك الاعلام من غير نجّاب والحريعرف من خطاه وصوابه سليمان التركي السديري من مرضي من السرير الأبيض مِن جاري إنهارَ على فراشه وحشرجا يمصّ من زجاجة أنفاسه المصفّرة من حلمي الذي يمدّ لي طريقه للمقبرة أكتبها وصيّةً لزوجتي المنتظرة و طفلي الصارخ في رقاده: أبي أبي تلم في حروفها من عمري المعذّب إقبال يا زوجتي الحبيبة لا تعذليني ما المنايا بيدي ولست لو نجوت بالمخلّد كوني لغيلان رضى وطيبه كوني له أبا و أما و ارحمي نحيبه وعلميه أن يذيل القلب لليتيم و الفقير بدر شاكر السياب غازي القصيبي سليمان التركي السديري بدر شاكر السياب