أحمد المُلا فراشة أخبّئ لك رسالةَ حب في مكانٍ غامض وأنساه، لا أحفظُ منها إلا كلمةً واحدة أعيدُ ترديدها. أسمعُ عشّاقا ينبشون الكلمات بحثا عن مفاتيح تشفي يُتْمَهم. أتخيّل قرّاءَ مدهوشين يبتكر كلٌّ منهم حكايةً تمسُّ قلبه. أتلصّصُ عليك؛ تضعينها في يدِك وتتّكئين باليدِ الأخرى على جدارٍ يسندُك، تقرأينها غيبا وتبتسمين بحزنٍ ناعم مثلَ فراشةٍ حمراءَ تعبرُ مقبرة. 6 مارس 2017 أين ذهبت الموسيقى حين توقّفت الكمان نائم في الظلام، يحلم بقوس ناحل يفتح التابوت وينطلقان معا. القوس يحلم بيد حنونة، والكمان ضامرُ الجسد أثقله ما يكنز، يتخيّل كتفا تحمله. مرّاتٍ قلة تحقّق لهما الخروج تحت ضوءٍ شحيح. بوصيّةِ الهمس لئلا تستدلّ عليهم الذئاب، أحيانا يتنقّلان مكفّنين بملاءة تستر عريهما. ليست حكاية كمان بل حكاية مكان مكان ناقص ويضجُّ بالخسران. هذه حكاية صمت طويل، حكاية كمان موعود بنزهة صاخبة.. رفقةَ أوتارٍ مشدودة طبولٍ ساخنة ونشيدٍ حزين. حكاية طويلة لموسيقى خبيئة. حكاية طويلة عن لغة سريّة لا يتحدثها إلا عازف ملثم يتّخذ اسما وهميّا حتى لا يشي به أحد. حكاية يختصرها الصمت، تناقلها مهرّبون مخبّأة في صدورهم، لا يسلّمونها إلا لأقران أقسموا على الكتمان. حكاية لم يجرؤ أحد على كتابتها خشيةً أو خجلا. الكمان يصحو الكمان يسمع لغطا في الخارج يتحرّك يوقظ القوس يد تفتح تابوته ترفعه في خطْفة فوق مسرح مكتظٍّ بالشهود يتطلّع في جمهور متلهف وصاخب يكاد يقفز يتلوى يصيح يرق ويغنّي اليد تقبض على رقبته ترفعه إلى الضوء لأول مرة ترفعه هتافاتٌ مخنوقة وتهوي به اليد على حافّة قاسية بعنف يطلق الكمان عواءه الأخير ويتطاير دم الموسيقى ملطّخا الحياة. السبت 11 فبراير 2017 حفرةٌ على مقاسي شدّتني شجرة من كتفي؛ أخّرتني لحظة عن دهسي بشاحنة متهوّرة .. طوال النهار تخيلت دمي ذاهلا على الشارع، صرخات تبقّع الرصيف. ورأيت فزعا يتنبّه قليلا ويكمل غفلته. لم أميّز بين همهمات المارة سوى صوتٍ استمرّ عالقا في الهواء مثل غبار يحجب العالم؛ زعقة مكابح أليمة، لمن ينزلق نحو حتفه. بعد أن اختفيت عن مكان الحادث، انكشف الغبار عن جسدي فائضا في مكانٍ آخر من الحياة، لم تعبر أمامي ملذّات حياتي، كما توهّمت، بل انطبعت في خاطري صورةٌ واحدة لم تفارقني بعدها.. تلك الشجرة التي شدّت كتفي وأنقذتني.. تلك الشجرة التي لم أقف عندها امتنانا، تلك الشجرة التي عدت إلى مكانها ولم أجدها، تلك الشجرة التي فدتني وقفزت بديلا عني؛ تركتْ حفرةً على مقاسي. 20 يناير 2016 يوشك أن يحدث أمرٌ ما يوشكُ أن يحدث؛ البحرُ صافن وعلى غيرِ عادتِها النوارسُ هائجة الأشجار ترقُبُ السماء على جانبَي الطريق الكلاب تنبحُ أعمدةَ الإنارة نجمٌ يهوي نعيبُ غربانٍ لا تُرى بكاءُ طفلٍ وحيدٍ في شرفة صفّارةُ إسعافٍ برقٌ يشقُّ الصحراءَ نصفين صوتُ كوابحِ سيارةٍ مسرعة هجرةُ أسرابِ طيور أزهارٌ تجفّ أوراقُ شجرٍ تسقطُ بطيئة أبوابٌ ونوافذُ تُغلق بعجلة أنوارٌ تُطفأ صمتٌ واقف على رجْلٍ واحدة ريحٌ تصفر حذرٌ فالتٌ في الشارع صيحاتُ أمّهات ظلام. عينُك ترف فراشةٌ حطّت على كتفِك نعالُك مقلوبة. تتلفّت كأنما يناديك أحد. أمرٌ ما يوشك أن يحدث. 13 مارس 2017