الكثير من أهلنا في جزيرة العرب يعرفون، والقليل قد لا يعرف أن النوى أو العبس (نواة التمر) كان يُشبه العملة، ولا أقول العملة الصعبة، لكنه كان أداة تبادل مقبولة عند بائعات البطيخ والقرع في قرى نجد. وكل ما هنالك أن تعرض على المرأة الجالسة في سوق الخضرة ما لديك من عَبَس -غالبا يكون في صرة من القماش- فتقوم المرأة بتقييمه، ثم تُشير إلى البطيخة أو الحبحبة، التي في تقديرها مساوية لما تعرضه من النوى (العبَس)، فتأخذ البطيخة وتُسلّمها الصرة وتذهب على بركة الله. من هم زبائن المرأة المحتملين الذين يأتون لشراء النوى؟ هم الذين يحتفظون بالبقرة الحلوب في منازلهم. وثبت أن المادة أجدى وأنفع غذاء لإعطاء الإدرار الوافر من الحليب. توضع كمية العبس في قدر كبير، ويُترك على النار مع بقية طعام وقشور بطيغ وما إليه، طوال الليل، في مكان مفتوح من المنزل (الحوش). وتوضع تحت القدر نار وقودها (الجَلّه) وهي روث البقرة المجفف، لأنها اشتهرت بطول اتقادها. وتحتفظ الأسرة بالقدر لعدة أيام، وكلما أرادوا حلب البقرة قدموا هذ الغذا ال(سبيشال). وتعاد العملية كلما نفد المخزون. والبعض يُكسّر النوى إمعانا في اختصار وقت الطبخ. وخرج تعبير يقول: رضاح العبَسْ.. رَضَح النواةَ يَرْضَحُها رَضْحاً: كَسَرَها بالحجر أو بغيره. وهي فُصحى (لسان العرب). وهناك تعبير عامي يقول: رضاح العبس، تُطلق على من يُمارس عملية صعبة وطويلة. ومن طبيعة عملية ترضيح العبس (ويُسمى في العراق الفصَمْ) أنه صلب جدّا! ويتطلّب من المُكلّف الصبر ودقة التصويب..! وأن يكسر كل واحدة على حدة! فلنتصوّر طناً من العبس يُراد ترضيحه، فسيجد القائم بها مشقّة وتوتّرا وأذى وقلقا وتعكير مزاج وعناءً. العبس أو النوى يتقافز لو جمعته وحاولت كسره جملة. كذلك لو جرى إفراده وحاول المُكلّف تكسيرهُ فرادى، فالواحدة منه يصعب اصطيادها لكونها تميل إلى الملمس الناعم، فهي تقفز إلى الأمام.. ثم إلى الخلف.. واليمين.. واليسار.. وربما إلى الأعلى! لا حظوا أننا كنا لا نحتقر نافعا، والمنزل يُنتج ويُعيد الاستعمال.. فمن روث البقرة نطبخ لها طعاما.