كصدى لقمم فلاسفة فرنسا أمثال جان بول سارتر يلفت انتباه النخبة المثقفة حالياً الكاتب والفيلسوف الفرنسي ميشيل أونفراي Michel Onfray، ابن المزارع الذي تخلى عنه والداه لمؤسسة كاثوليكية منذ سن العاشرة، والذي ورغم تلك البداية القاسية قد نجح في الحصول على دكتوراه في الفلسفة وقام بتأسيس جامعة مجانية للفلسفة عام 2004، بل وصار شاغل الساحة الثقافية الفرنسية بخوضه في الحوارات الأكثر خطورة في وقتنا الحاضر، مثل حوار الأديان، وقضايا الإرهاب وانهيار الحضارات، والذي يتصدر واجهات المكتبات كتابه الأخير الذي يحمل عنوان الانحطاط décadence، والذي يتصدر قائمة الكتب الأكثر مبيعاً رغم ضخامته وصعوبة طرحه، ويتحدث الكتاب عن تراجع المسيحية عالمياً مقابل مثلاً توسع انتشار الإسلام، بل ويتوسع أونفراي في تنظيره وبحوثه ليؤكّد بأن الكثير من تاريخ المسيحية وحياة المسيح عيسى عليه السلام ما هو إلا وهم تمت كتابته وتأليفه من قبل الأتباع. ويتكثف ظهور أونفراي في وسائل الإعلام وعلى وسائل التواصل الاجتماعي وعلى اليوتيوب YouTube مصادماً ومتحدياً للكثير من المسلمات وليجيب على تساؤلات المهتمين ويناقش مختلف القضايا المعاصرة. ورغم انبهار الغالبية بطروحاته إلا أنه يتعرض لانتقادات، وخصوصاً كتابه "الانحطاط" فلقد اتهم أونفري بالتعميم في حكمه بالانحطاط ونهاية البشرية، حيث يجزم معارضوه بأن المسيحية وإن تراجعت في أوروبا فإنها لاتزال مزدهرة في قارات أخرى مثل قارة أفريقيا وأميركا اللاتينية، ولقد تراجع أونفري مصرحاً بحاجته لتمحيص ذلك الانتقاد وباستعداده لوضع كتاب يبحث ويتحقق من ذلك. ولعل من أكثر التساؤلات مساساً للمشاعر في حوار له مع المذيعة فانيسا ريدجراف في برنامج الحوار On n'est pas couché بتليفزيون France2 حين واجهته بجرأة يعجز عنها طلبة الفلسفة متسائلة: "تظهر في كتبك مُهَوِّلاً ومبشراً بنهاية العالم، فهل تنبع هذه السوداوية من المآسي التي تعرضت لها في حياتك الشخصية مثل طفولتك القاسية وفقدك مؤخراً لزوجتك ولأبيك الذي ارتبطت به عاطفياً وبعمق، والوحدة التي انتهيت لها؟" وبمواجهة ذلك أجاب أونفراي بهدوء وبصراحة العالم "ربما، لا أُنكر بأنني حقيقةً يائس". في تلك الإجابة ينبش نقاد أونفراي وخصومه في جذور توجهاته العدمية وتبشيره بالفوضى ونهاية العالم، بل ويعزو النقاد لوحدته هذه الغزارة في الإنتاج، فلقد تجاوزت مؤلفاته المائة كتاب، آخذين في حسابهم أن أونفراي في الثامنة والخمسين من العمر لا تتجاوز سنوات إنتاجه الخمس وثلاثين سنة مما يعني إنتاجه لما يقارب الثلاثة كتب سنوياً وبعضها من الحجم الضخم وهذا برأيهم مما يقود للتسرع في التعميم. وبالنهاية كتب بلا حصر ومنظرون في جدل يستشري في ساحات الحوار عالمياً يؤججه عصرنا الذي يتحدى في معضلاته وتجاوزاته أكثر المخيلات البشرية تطرفاً.