هذا شاعر بائس ساخر، عاش في العصر العباسي الأول، وأصبح لشعره شعبيّة، لأنه يعبر عن البؤس والفقر، في ذلك العصر الذي زاد فيه الأغنياء غنى، والفقراء فقراً، رغم أن العرب والمسلمين وقتها يملكون أكثر من نصف الأرض، وأن الرشيد يقول للسحابة: (أمطري حيثُ شئتِ فسوف يأتيني خراجك) ومع ذلك ذكر علي الوردي (عالم الاجتماع) أن أجر العامل الماهر في ذلك العصر لا يزيد على ثلاثة دراهم في اليوم، في الوقت الذي يُعطى فيه الشاعر المداح ألف دينار في لحظة..، والدينار عشرة دراهم، مما أضاع مواهب أكثر الشعراء في التكسب والتزلف والمديح، لكن البؤساء منهم لا يصلون، ويظلون فقراء بائسين، ومنهم (أبو الشمقمق) هذا فقد كان معدماً لكنه سليط اللسان، هجا بشار بن برد وأبا العتاهية وأبا نواس، يهجوهم لكي يعطوه بعض الفتات، وعفّ أولئك الشعراء عن الرد عليه لأنه لا شيء لديه يخسره، وهجاؤه بذيء جداً ومكشوف! ومع ذلك لم ينفعه الهجاء ولم يفلح في المدح فسخر من حاله وبؤسه وجعلنا نظفر بأشعار طريفة كقوله في وصف بيته: (برزتُ من المنازل والقبابِ فلم يعسر على أحد حجابي فمنزليَ الفضاءُ، وسقف بيتي سماءُ الله أو قطع السّحابِ فأنت إذا أردت دخلت بيتي عليّ مسلماً من غير بابِ لأني لم أجد مصراع بابٍ يكون من السحاب إلى الترابِ) ويقول في فراشه: (لو قد رأيت سريري كنت ترحمني الله يعلم مالي فيه تلبيس والله يعلم مالي فيه شائبة إلا الحصيرة والأطمار والدّيس ) "الديس أردى أنواع العشب اليابس" ومن شدة فقره وبؤسه لا مركب له، حتى الحمار عزّ عليه.. يقول : (أتراني أرى من الدهر يوماً ... لي فيه مطيةٌ غير رجلي؟ كلما كنت في جميع فقالوا ... قرّبوا للرّحيل، قرّبت نعلي! حيثما كنت لا أخلّف رحلا ... من رآني فقد رآني ورحلي!) ويصف إفلاسه وهزاله: (ولقد أهزلت حتى ... محتِ الشمسُ خيالي ولقد أفلست حتى ... حلّ أكلي لعيالي )