كانوا يقولون: فلان ماشاء الله، كأنه قطمة رز! هذه العبارة لم تكن تدل على السمنة المفرطة فقط، ولكنها تدل على الصحة والعافية، بمفهوم نصف قرن مضى! فقد كانت المرأة " قطمة الرز" مرغوبة، بل إن بعض الأسر، كانت تحرص على تعليف البنت النحيفة، إذا خطبت، حتى تدخل على زوجها، وهي كاملة الدسم! أما لماذا قطمة رز بدلا من عمود الصبة، أو فيل، اودبابة، وهي عبارات من مستحدثات العصر، فلأن الوصف الأول ينطوي على عدة دلالات، الدلالة الأولى الرجرجة، بمعنى أن الرجل والمرأة، عندما يمشي أحدهما، فإن كل مافيه يعطي إشارات وإشعاعات، بعضها طيب، وبعضها مثير، وبعضها مهيب.. أما الدلالة الثانية، فهي القطمة، وهي تعني قطمة من الرز، النادر وباهظ الثمن، وهي غير مقاسات قطم الرز في هذه الأيام، فقد أصبحت متعددة الأوزان والأحجام، عكس السابق تماما.. أما الدلالة الثالثة، فهي النعمة او الوفرة، التي قد يتمتع بها من يوصف بقطمة الرز، والدلالة الرابعة، نوع القطمة،فحتى السمنة لها مستويات اجتماعية، فهناك: البكة، الهورة، العنبربو، ابوسيوف، وآخر المستحدثات كان ابوبنت، وهو رز هجين، لا يمكن أن تتأكد إذا كان زرعا أو صناعة، حبة طويلة وناعمة ورشيقة. الخلاصة التي نريد أن نصل اليها أن السمنة كانت لا تدل في الغالب إلا على شيء واحد: النعمة! في زمن قل فيه القوت، وارتفعت أثمانه أكلاً وشرباً! حتى أن هناك أمثالاً حاضرة بيننا من الزمن القديم وإن كانت في طريقها للانقراض. فقد كان من يجلس مدعواً على وليمة يردد ويده تمتد للصحن: يا مال الغنيمة! أو الكلمة المهيبة: مقابل الجيش ولا مقابل العيش! وهكذا في ظل غياب اللقمة. يحسد الرجل الذي يشبه القطمة. وتكون مرغوبة ومطلوبة تلك البنت اوالمرأة التي تشبه القطمة، خصوصا إذا زينت رجليها بالخلاخيل، ويديها بالبناجر والمعاضد! كل ما سبق صار الآن من الماضي، حتى أن الدول التي يعاني مواطنوها من السمنة، باتت تُقرع من منظمة الصحة العالمية، وقد أخذ المواطن السعودي عن جدارة المرتبة 19 خلف الولاياتالمتحدة مباشرة، وهو مايعني أن نسبة السمنة لدينا باتت تمثل 33%! والحمد لله لسنا وحدنا بين العرب، فقبلنا حلت على التوالي كل من: الكويت، قطر، مصر! لقد صار العالم كله الآن مناصرا لشعار "ياناعم العود ياسيد الملاح.. ليت للهوى حاكم والله لا أشتكيك" ما يعني السعي بشكل حثيث نحو الرشاقة العالية. ولكي تتم هذه الرشاقة العالية، سادت في الأسواق الاطعمة المنزوعة الدسم، ومراكز الجيم، وأرصفة المشاة والصوم، وهناك المراكز الطبية التي باتت تجني الملايين من عمليات ربط المعدة وشفط الدهون! وقد طالت رياح الرشاقة، الصدور والشفاه والأنوف! وبات هناك أطباء حالما يجلس أمامهم المريض، يشرعون في تقديم النصائح له، حول أنجح السبل، لجعل مقاطعة الوجبات الجاهزة ممكنة، وهكذا لأول مرة يجد من يعانون من المجاعة غصبا عنهم، من يمثلهم في عدم الإقبال على أطايب الطعام! كما هو الجوع والفقر نقمة، كذلك الشبع الزائد عن حده!!