قبل عدة سنوات كنت في زيارة لكوريا الجنوبية، التقيت خلالها عمدة مدينة سيؤول السيد "اوه سي هون"، دار بيننا حديث حول الثقافة والفن، فقال لي وهو يبتسم بفخر "أعرف أن الشباب والفتيات في السعودية مولعون بالمسلسلات الكورية". كان ذلك عام 2008، وكانت المسلسلات الكورية في أوج شهرتها في المملكة خصوصا في أوساط المراهقين والمراهقات، وساهمت في تشكيل صورة وردية ناعمة عن المجتمع الكوري الجنوبي، والرومانسية التي يعيشها العشاق هناك، بل أن بعض الشباب أقبل على تعلم اللغة الكورية لفرط إعجابه بذلك المجتمع. خفتت موجة التعلق بمسلسلات كوريا وهبت موجة أخرى هي المسلسلات التركية، والتي -بحسب تركيا بوست- غزت أكثر من 75 بلدا حول العالم، و بلغت صادرات هذا القطاع في عام 2008 عشرة ملايين دولار، وخلال خمس سنوات تضاعف هذا العدد 20 ضعفا. ففي عام 2014 بلغت صادرات المسلسلات التركية 200 مليون دولار، أما الآن فقد ارتفع هذا الرقم ليصل إلى 280 مليون دولار. على المستوى المحلي تعرف السعوديون على الجانب المشرق من المجتمع التركي من خلال هذه المسلسلات، والتي كان لها دور كبير أيضا في جذب السائح السعودي إلى تركيا، وتعلم المزيد عن ثقافته، ولغته، وانتشرت حسابات في مواقع التواصل الاجتماعي لتعليم اللغة التركية. ولأن الأتراك استوعبوا أهمية هذه المسلسلات فقد عملوا على تحسين جودة القصة والسيناريو والإخراج وتعبئتها بالرسالة المناسبة. ومن يشاهد مسلسل "قيامة أرطغل" التركي يعرف ما أقصد. فقد حرص منتجوه على أن يظهر بصورة عالية الجودة، وقصة مشوقة تحكي حياة أرطغل، والد عثمان الأول مؤسس الدولة العثمانية. ويظهر فيها أرطغل كقائد مسلم بطل، كان المسلمون في أمس الحاجة إليه. وأخيرا، المسلسلات هي من الفنون الراقية التي تعتبر سلاحاً ناعماً فعالاً في التسويق للدول والثقافات والأفكار. السعودية كانت لها تجارب في هذا المجال، إذ لقي مسلسل "طاش ما طاش" مثلا قبولاً وانتشاراً واسعاً في الخليج والوطن العربي، رغم رسالته التي تتمثل في انتقاد المظاهر السلبية في المجتمع السعودي. ربما يلهمنا هذا النجاح بالعمل على مشروعات مشابهة على أن تكون هذه المرة في مستوى عال من الجودة، ومعبأة برسائل مدروسة تنقل صورة ايجابية عن مجتمعنا المظلوم في الخارج.