تقول الحكاية الشعبية: هاج ثورٌ هائل في مرابع بني عبس وماج، وأرعب النساء والرجال، والصغار والكبار، ففزعوا إلى عنترة بن شداد، بطل العرب وحامي الحمى! وصرخوا: * هيّا ياعنتر! .. اهجم على الثور.. خلّصنا من الثور! فنظر عنتر للثور الضخم الهائج وقرونه المشروعة كالخناجر الحادة وتراجع إلى الوراء ولم يهجم على الثور، فوجم الحضور وقد حبسوا أنفسهم انتظاراً لنحر الثور بيد البطل المقدام، وذهلوا حين أحجم عنترة بكبره عن الهجوم على الثور وصرخوا به: * لماذا لا تهجم عليه ياعنترة وأنت مرعب الأبطال والأقيال؟! فزاد عنترة في تراجعه وقال: * ومايُدري الثور أني عنترة؟! قصة عنترة بن شداد مع الثور.. والزير سالم مع الأسد! فذهب قوله مثلاً، وصارت حكايته القصيرة رمزاً للتصرّف الحسن، ودعوة للإبتعاد عن المجانين ومن لا يعقلون، وعدم التصدِّي للسفهاء والجاهلين، بل تركهم في غيِّهم يعمهون، وصارت الحكاية القصيرة إسقاطاً على دلالة الرعب في تحقيق النصر، فالأبطال الذين يتصدّى لهم عنترة يعرفون بطولاته وفتكه وقوة قلبه، فيُصابون بالرعب منه، وتخور قواهم قبل اللقاء به وعند اللقاء، أما الثور فلا يعرف عنترة ولا بطولاته، وليس مرعوباً منه بأي حال من الأحوال، وهو على استعداد لطعنه فوراً بقرونه الحادة، ورفعه فوقه ثم ضربه على الأرض ضربه قاضية، ودوسه بأقدام الثور الذي يزن أكثر من طنّ!.. كما أن في الحكاية إسقاطاً ينهي عن معاداة الساقطين الذين لايوجد لديهم مايخسرونه كما قال السهروردي: بَلاءٌ لَيسَ يُشبِههُ بَلاء عَداوَة غَير ذي حَسَب وَدينِ يُبيحك مِنهَ عرضاً لَم يَصنهُ وَيَرتَع مِنكَ في عرض مَصونِ والصمت أمام السفيه حتى يموت: إذا نطق السفيهُ فلا تُجبْهُ فخيرٌ من إجابته السكوتُ فالسفيه جاهل ناقص عقل مفلوت اللسان بلا عنان، ويُطلق عليه في مأثورنا الشعبي ( المقرود) لأنه في عقل قرد، بل القرد أعقل منه، فهو كالنار يزيد اشتعالاً مع هبوب الرد، ويثير الفتن بسلاطته ونمّه وسوء تصرفه ونقص عقله، يقول حميدان الشويعر: الفتنة نايمة دايم مار الأشرار توعيها يشب الفتنة مقرود ويعلقها من لا يطفيها فإلى علقت ثم اشتبت بالحرب نحاش مشاريها أما قصة الزير سالم مع الأسد، فهي عكس قصة عنترة، تقول الحكاية الشعبية إن الزير (أبو ليلى المهلهل) ذهب على حماره ليستقي الماء، ونزل إلى البئر ليملأ القُرَبَ، وحين خرج بها ملأى وجد الأسد يأكل حماره فهجم على الأسد وسيطر عليه بقوته ووضع القرب فوق ظهره وأجبره على حملها إلى أن وصل لخيام قومه والأسد يسير أمامه مدحوراً ذليلاً! ومن هذه الحكاية جاء المثل (من أكل حمار القوم زازا بالقرب)!! .. وزأزأ فصيحة ومعناها عدا وخاف، ويقال زأزأ الظليم مشى مسرعاً رافعاً رأسه وذنبه (لسان العرب حرف الزاي) قال جرير: (تبدو فتبدي جمالا زانه خفر إذا تزأزأت السود العناكيب) وفي رواية: (من أكل حمار العرب يشيل القرب)!.. ولا يوجد كبير تناقض بين حكاية عنترة وحكاية الزير؛ فمبارزة الثور حماقة، ومبارزة الأسد شجاعة، وفي حكاية الزير إسقاط على أنّ من اعتدى سوف يجد ردّاً أعنف، قال ابن لعبون: خذ ما تراه وخلّ عنك الخماكير من شقّ جيب الناس شقّوا وزاره