د. نواف الحارثي * يوجد 65 مليون شخص مصاب بالصرع حول العالم، وثلث هؤلاء تعتبر تشنجاتهم مستعصية نتيجة فشل العلاجات الدوائية في تخفيف وإيقاف النوبات لديهم، وفي ظل التقدم الطبي المستمر يسعى الأطباء لإيجاد حلول أخرى مساعدة منها عمليات الصرع الجراحية التي يتم فيها استئصال البؤرة المسببة لزيادة الشحنات الكهربية في الدماغ، والتي تؤدي لحدوث نوبات التشنج، ولكن هذا الخيار ليس متاحاً لجميع مرضى الصرع فبعض المرضى قد يكون لديه عدة بؤرات صرعية أو قد تكون البؤرة الصرعية في منطقة حساسة بالدماغ يصعب استئصالها، أو كون هذه المنطقة ذات وظيفة حيوية لا يمكن الاستغناء عنها كمناطق الحركة والتخاطب، لذلك طور الأطباء تقنيات مساعدة تسمى في مجملها التحفيز العصبي لعلاج الصرع. وهي على ثلاثة تقنيات: تحفيز العصب الحاير، وهو العصب العاشر من إثني عشر عصباً قحفياً ويسمى أيضا بالعصب المبهم ويقوم هذا العصب بنقل النبضات العصبية لأجزاء متعددة في الجسم كالقلب والرئتين والجهاز الهضمي. تعد تقنية تحفيز العصب الحاير الأكثر شيوعا في تقنيات التحفيز العصبي لعلاج الصرع حيث تم اعتماده في عام 1997م من إدارة الغذاء والدواء الأمريكية، بعد أن أظهرت الدراسات فعاليته في تخفيف التشنجات وإيقافها، ويتم تحفيز العصب الحاير عن طريق زرع بطارية تحت الجلد في أعلى منطقة الصدر بالقرب من عظمة الترقوة حيث يخرج منها سلك يمتد تحت الجلد باتجاه الرقبة ليتصل بأقطاب تلتف حول العصب الحاير، وتقوم هذه البطارية بإرسال تيار كهربي للعصب بمقدار معين وتردد معين، حسب ما يتم برمجته من قبل الطبيب المعالج، ويؤدي هذا التيار المرسل للعصب الحاير لتقليل من الكهربية الدماغية المؤدية لحدوث التشنجات. يتم زرع جهاز (VNS) بواسطة عملية جراحية تحت التخدير العام ويستغرق وقت العملية قرابة الساعة، وبعد العملية بأسبوعين فقط يستطيع الطبيب المعالج تفعيل الجهاز، إن الاستجابة المتوقعة في تخفيف التشنجات قد تستغرق أشهر ولسنوات قليلة، وزراعة الجهاز فقط ليست كافية وإنما المتابعات في عيادة الصرع للبرمجة الدورية للجهاز لزيادة مقدار التحفيز بالشكل الصحيح هي العامل الأهم في زيادة فرصة الاستجابة، وتساعد هذة الطريقة من العلاج على تخفيف عدد نوبات الصرع وحدتها وقد تقلل عدد النوبات لأكثر من 50٪ وفي بعض الحالات تقل بنسبة 90٪، وإضافة إلى ذلك قد يحسن هذا التحفيز من مزاج المريض حيث أن هذة الطريقة قد أستخدمت في علاج الإكتئاب. التحفيز الدماغي العميق (DBS)، تعتبر من أقدم تقنيات التحفيز العصبي وقد تم تطبيقها على البشر في ستينيات القرن الماضي واستخدمت في علاج الألم المزمن وبعض الأمراض النفسية وقد أثبتت فعاليتها في علاج أمراض اضطرابات الحركة كمرض الرعاش، يتم التحفيز الدماغي العميق بواسطة عملية جراحية تتم تحت التخدير الكامل تزرع فيها أقطاب داخل نويات عميقة بالدماغ ويختلف اختيار النويات حسب المرض ففي حالات مرضى الصرع تزرع الأقطاب في نويات المهاد الأمامية وتربط بجهاز يزرع تحت الجلد في أعلى منطقة الصدر، ينتج الجهاز نبضات كهربائية تصل للأقطاب لتحفز النويات المستهدفة لتحد وتنظم النبضات الكهربية الغير طبيعية المؤدية إلى نوبات التشنج، وبحسب أحدث الأبحاث العلمية المنشورة فإن ما نسبته 10% من المرضى الذين تم علاجهم بهذا النوع توقفت لديهم التشنجات لمدة عامين وكانت نسبة الاستجابة (انخفاض التشنجات بنسبة 50% أو أكثر). وختاما إن تقنيات التحفيز العصبي تعتبر خيار تلطيفي أي مساعد للأدوية في التقليل من حدة التشنجات أو عددها وتحسين نمط الحياة وليست بحد ذاتها شفاء تام من مرض الصرع. * قسم العلوم العصبية