في حفلة الرياض سيطر محمد عبده على كامل المشهد قبل أن يحيي محمد عبده ورابح صقر وماجد المهندس حفلة جدة الغنائية، توقع الجميع أن يختتم هذه الأمسية أكبرهم سناً وقدراً وقيمة وجماهيرية، وهو فنان العرب، لكن جدول الحفل كان مغايراً فظهر محمد عبده أولاً ليحرج بقية زملائه أمام جمهور لم يحضر إلا من أجله، وغادر معه بعد انتهاء وصلته، ليغني بعدها رابح والمهندس دون أن يكون لحضورهما ذلك الصدى المتوقع، حتى في التغطيات الإعلامية التي احتفت بفنان العرب وكأن الحفلة له وحده دون غيره. الجميع التمس العذر وقتها لمحمد عبده كونه جاء قبل يوم من الحفلة من سلطنة عمان بعد أن أحيا في دار الأوبرا العمانية ثلاث حفلات غنائية ناجحة، لذا أراد أن يبدأ الغناء في حفلة جدة حتى لا يرهقه السهر، لكن الضرر كان قد وقع على رفيقيه اللذين تواريا خلف بريق الفنان الكبير. جرت العادة أن تنظم الحفلات الغنائية وفق معايير معينة تراعي جماهيرية كل نجم، وطبيعة أغاني كل فنان، وتوافقها مع شريكه الذي سيغني معه الحفلة، وفي الغالب لا يجتمع نجمان أو أكثر في حفلة واحدة، لأن اجتماعهما لا بد أن يظلم أحدهما لمصلحة الآخر. في حفلة جدة نجح رابح صقر نوعاً ما، لكن ماجد المهندس اختفى عن كل شيء، وكأنه لم يكن موجوداً. في عموم حفلات الوطن العربي يمنح الفنان الأكبر والنجم المحتفى به الوصلة الأخيرة في الحفلة حفاظاً على مكانة الحفل والحضور الجماهيري، هذه القاعدة مطبقة منذ سنوات طويلة، وقد اتضح أثرها منذ الحفلة التي أحياها عبدالحليم حافظ وأم كلثوم ضمن احتفالات الجيش المصري بحضور الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. في تلك الحفلة طلبت أم كلثوم أن تغني قبل عبدالحليم، وتم الاتفاق بينهما أن تغني ساعة ويخلفها في الوصلة التالية، أم كلثوم استغلت ذلك وأخذت زمناً إضافياً لتحرج عبدالحليم الذي لم يبق من نصيبه إلا نصف ساعة فقط، وخرج عدد كبير من الجمهور بخروج أم كلثوم، الأمر الذي سبب خلافاً كبيراً بين النجمين امتد لسنوات، وذلك بحسب ما رواه الراحل محمد حمزة. حتى في المملكة حدث موقف مشابه في بداية السبعينيات بين طلال مداح "رحمه الله" ومحمد عبده الذي كان حينها يحاول أن ينافس طلال وسعد إبراهيم. في حفلة الناصرية طلب محمد عبده أن يختتم الحفل بوصية من طارق عبدالحكيم، حاول طلال أن يثنيه إلا أنه أصر، الأمر الذي جعل طلال يبادر ويحيي الوصلة الأولى وعندما انتهى وخرج من مقر الحفل خرج أغلب الجمهور معه، في موقف أحرج فنان العرب الذي وجد أمامه مقاعد شبه خالية. وكان ذلك درساً مفاده أن النجم الأكبر لا بد أن يختتم الحفلة كي لا يقع الظلم والحرج على الفنان الشاب الذي سيأتي بعده. لكن الإشكال لا يتعلق فقط بمن يختم الحفلة، بل أيضاً بجمع نجمين كبيرين في حفلة واحدة، ففي الغالب كل نجم يمتلك جمهوراً خاصاً به يصل لعشرات الآلاف من عشاقه، وكل نجم قادر لوحده على أن يملأ مقر حفلته بجمهوره الخاص، وعندما يتم الإعلان عن حفلة فيها نجمين أو أكثر فحينها يبدأ السباق بين جمهور كل نجم، والمحظوظ من نجوم الحفلة من يسيطر جمهوره على النسبة الأكبر من المقاعد فتصبح الحفلة حفلته التي لا وجود فيها لأحد غيره. وهذا ما رأيناه في حفلة جدة، حيث كان لجمهور محمد عبده الغلبة الأكبر. والحال مشابهة أيضاً في حفلة الرياض الأخيرة، حيث غنى راشد الماجد الوصلة الأولى، لكن الحضور لم يكن بالشكل الملفت، وهو أمر مفاجئ وغير متوقع نظراً لأن الماجد لأول مرة يقيم حفلة غنائية في الرياض، لكن الجمهور لم يملأ المقاعد إلا عندما بدأت وصلة فنان العرب. هذه المواقف تقول إن وجود محمد عبده سيظلم الفنانين الذين يغنون معه، سواء صعدوا على المسرح قبله أو بعده، ولعل الرسالة تصل للمنظمين في ضرورة فهم الجمهور السعودي ومراعاة مزاجه ورغبته، والأهم معرفة الفروقات بين نجوم الأغنية السعودية في الهوية والشكل الغنائي وفي الجماهيرية أيضاً. خاصة محمد عبده الذي يعتبر جزءاً مهماً في تاريخنا المحلي وعلاقته مع الجمهور تختلف عن بقية الفنانين الآخرين، ولا يمكن جمعه مع أي نجم آخر في حفلة واحدة، لأن في ذلك ظلم لذلك النجم وظلم للجمهور أيضاً. ولتكن حفلاتنا المقبلة مخصصة لنجم واحد فقط، يرافقه مغنٍ شاب مبتدئ، دعماً للفنانين الشباب، وتقديراً للنجوم عبر منحهم مساحة كافية يبدعون فيها دون مزاحمة النجوم المنافسين. بريق «فنان العرب» في جدة أخفى ماجد المهندس