التحليل السياسي والتحليل الإخباري، وبينهما "التقرير" الخبري. ما الذي يعنيه كل ذلك بالنسبة للصحافي؟ عندما يتخرج طالب الإعلام ويتجه إلى سوق العمل يواجه جملة مصطلحات، ربما كان قد مر عليها مرور الكرام أثناء تحصيله الدراسي. من هذه المصطلحات "التحليل السياسي"، و"التحليل الإخباري"، فما الذي يعنيه كل منهما بالنسبة للصحافي؟ أو لنقل على المستوى المهني؟ بداية، يُمكن القول إن ثمة خيطا رفيعا يفصل بين التحليل السياسي والتحليل الإخباري، وخيطا أقل وضوحاً بين هذا الأخير والتقرير الإخباري أو الخبري. التحليل السياسي لا يحمل مفهوماً اصطلاحياً واحداً، وإن بدت له دلالة واحدة، على مستوى اللغة. لا يشير هذا المصطلح في التحليل الصحافي، إلى ما يشير إليه في البحث العلمي السياسي، أو لنقل لا يرتكز إلى أدوات متماثلة أو "طرق" موحدة. خريج الإعلام لا شأن له بالسياق الموسع للمفهوم، أو لنقل ليس في حاجة للانشغال بهذا السياق. في الصحافة، لا حاجة للتحليل البنيوي للأحداث، ولا حكمة من الأخذ بهذا التحليل، ما دمنا بصدد نص قد لا يتجاوز الألف كلمة، أو أكثر من ذلك بقليل. التحليل السياسي البنيوي بحاجة إلى مساحة كافية (أو كتلة كمية وافية)، وتأطير و / أو / تدرج تاريخي، وشرح للأرقام والمعطيات، وتفسير للمضمون، وتحديد نهائي للنتائج. هذه عملية لا تنسجم ووقت الصحافي الضيق، ومساحة مقاله الصغير، وطبيعة جمهوره الذي يصبو إلى ما قل ودل. إذاً، ثمة طريق آخر لا بد من سلكه في عالم الصحافة، فما هو هذا الطريق؟ إنه القراءة السياسية. إنها الفرع الصحافي للتحليل السياسي. هذا الفرع، ذو أهمية فائقة، لأنه الأكثر قدرة على الوصول إلى الرأي العام، بمختلف فئاته وشرائحه، إن عبر الجريدة الورقية أو الإلكترونية أو الراديو أو التلفاز. القراءة السياسية تعني، على المستوى المهني، قراءة المضمون واستخلاص دلالاته، في القليل من المساحة أو الصفحات الدفترية. إذا كنت، على سبيل المثال، بصدد الحديث عن انقلاب عسكري في دولة ما، فالتحليل السياسي الصحافي يعني أن تقول للناس لماذا حدث الانقلاب، ما هي خلفياته المباشرة وغير المباشرة، وما هي نتائجه الفعلية والمحتملة. هذا يكفي عموماً، ما دمت تقارب الموضوع في سياق صحافي، ولا حاجة للمزيد، أو لا ضرورة له، كحد أدنى. وماذا يختلف هذا الأمر عن "التحليل الاخباري"؟ إنه الخط الفاصل الرفيع والصعب في الوقت ذاته. في التحليل الإخباري، أنت معني كصحافي بالإحاطة بمعطيات الحدث، بتفاصيله الرئيسية، وتتابعه الزمني، بموازاة التزامك بطرح نتائج محددة من وحي ما قدمته من معطيات. هذا هو التحليل الإخباري. الفرق بين التحليل الإخباري والتحليل السياسي - في السياق الصحافي - أن الأول لا صلة له بقراءة المضمون. وفي الوقت ذاته، لا بد للتحليل الإخباري من الالتزام – تقنياً – بذكر التفاصيل الأساسية المكونة لجوهر الحدث. والتحليل الإخباري أيضاً هو تحليل للراهن بالدرجة الأولى، ولا صلة كبيرة له بقراءة الاتجاهات المستقبلية، على النحو المعتمد في التحليل السياسي. هذه الفروق لا بد لطالب الصحافة من الالتفات لها في بداية مساره المهني، ومن المفيد أن يكون له عنوان فرعي أولي تحت مسمى "تحليل إخباري" إذا كان بصدد كتابة عمود ثابت ينتمي إلى هذا الفن من الكتابة الصحافية. وماذا عن "التقرير الصحافي"؟ التقرير الصحافي هو التوصيف التقني للحدث دون إضافة نتائج أو خلاصات. التوصيف التقني قضية بالغة الأهمية، وعليه يبنى التحليل العلمي، بأشكاله وصوره المختلفة، وإليه يعود المؤرخون والمحللون السياسيون والاجتماعيون، وكل المعنيين. وهو المادة الأكثر مغزى وأهمية في الأرشيف الصحافي، وهو الوجه الأول للصحافة.