معرفة المستويات الاجتماعية والاقتصادية للأسر في أي مجتمع، وقياس درجة الرفاهية التي تحظى بها وتكوين تصور واضح ودقيق عن حالتها المعيشية، لا تتم في الواقع إلا من خلال مسح ميداني يعنى برصد أوجه الإنفاق والدخل للأسرة والأنماط التي تتسم به في كل من هذين الجانبين، ولدينا هنا في المملكة من عني بهذا الأمر ومنحه نصيبه من الاهتمام، ألا وهي الهيئة العامة للإحصاء، من خلال القيام بهذا النوع من الدراسات المسحية، التي كان آخرها ما أنجزته الهيئة عن (إنفاق ودخل الأسرة) ونشرت نتائجه في عام 2013. لقد أوضحت نتائج تلك الدراسة وجود فارق واضح بين دخل الأسرة السعودية الشهري الذي يبلغ في المتوسط نحو (13610) ريالات، وإنفاق تلك الأسرة على مجموعة السلع والخدمات الاستهلاكية وغير الاستهلاكية الذي يصل في المتوسط إلى حوالي (15367) ريالاً شهرياً، الأمر الذي يوحي بوجود صعوبة في إمكانية الادخار، لا بل والحاجة في كثير من الأحيان إلى الاقتراض من البنوك لتلبية سلع وخدمات تحتاجها تلك الأسرة، يدعم ذلك ويؤيده ما تظهره بيانات ذلك المسح من أن مجموعة السلع والخدمات الشخصية المتنوعة لأفراد الأسرة قد حظيت بأعلى نسبة من متوسط إنفاق الأسرة السعودية الشهري، حيث بلغت تلك النسبة (21,2%) الأمر الذي يعزو البعض ارتفاعها إلى الإنفاق على الخدمات المالية مقابل القروض الشخصية، هذا بخلاف أن مجموعة السكن والمياه والكهرباء والغاز ونحوها لم تكن بعيدة كذلك عن تلك النسبة، حيث بلغت نحو (20.7%)، وكلاهما كما هو واضح أكبر حتى من نسبة إنفاق الأسرة في المملكة على احتياجاتها من الأغذية والمشروبات التي عادة ما تأخذ النصيب الأعلى. إن مقارنة نتائج المسح الأخير عن إنفاق ودخل الأسرة الشهري في المملكة بالمسح الذي سبقه في عام 2007 يشير إلى أن هناك زيادة في معدل هذا الإنفاق على مدى السنوات التي تفصل بينهما، بل ويعطي مؤشراً على أن هذه الزيادة ربما تستمر على مدى السنوات القادمة لا سيما في ظل وجود تغير مستقبلي في خصائص تلك الأسرة، وبالذات المرتبطة مباشرة بنمط هذا الإنفاق المرتفع مثل الحالة التعليمية لرب الأسرة، والرغبة بالاستمرار في الامتلاك والسكن في فيلات ذات مساحة واسعة، التي أظهرت نتائج المسح الأخير أن إنفاق الأسرة السعودية الشهري، ممن تكون تلك خصائصها، ربما يبلغ ضعفي إلى ثلاثة أضعاف متوسط إنفاق الأسرة السعودية بوجه عام. إن تلك البيانات والمؤشرات التي اشتمل عليها مسح إنفاق ودخل الأسرة السعودية الأخير، ينبغي أن تكون لنا مناراً نسترشد به ونحن ندفع الراغبين في امتلاك مسكن من الأسر السعودية للتوجه نحو البنوك ومؤسسات الإقراض المالية للحصول على التمويل اللازم لهذا الغرض، ليس فقط لتصور مقدار تكلفة القروض من حجم الإنفاق لتلك الأسر في قادم الأيام، بل وتأثير ما يتطلعون لامتلاكه من وحدات سكنية على مقدار الزيادة في إنفاقهم المستقبلي على السلع والخدمات التي بالتأكيد سوف يحتاجونها.