الشماتة خلق هابط لا يليق بالنفوس الراقية، فلا تصدر الشماتة إلا من القلوب المريضة، وإلا ماذا ربحت أنت بأن يمرض غيرك في حين عافاك الله، وما مصدر سعادتك حين علمت بفقر فلان وحاجته في وقت أنت تتمتع فيها بنعمة العافية والغنى، فلا أنت بالذي أفقرته ولا أنت بالذي أغنيت نفسك، ولا أنت الذي أمرضته ولا أنت بالذي عافيت نفسك، فهل تضحك أنت على قضاء الله وبلائه أم أنت فعلا مستحق لهذه النعمة التي ترفل فيها. عندما تشمت من الآخرين أو تسخر من عيوبهم وآفاتهم فسوف ترى في نفسك وذريتك هذا العيب وهذا النقص لا محالة عاجلا أو آجلا، هذه سنة الله في عباده، وكأن هذه الشماتة سلف دين لا بد أن يرتد إليك يوما من الدهر. والمشكلة أن الأطفال يتعلمون هذه الشماتة والسخرية والعيارة ويتضاحكون منها ويعتبرونها جزءا من تسليتهم لأنهم تعلموها من آبائهم وأقاربهم، وفهموا أن الرجل العيار الذي يجيد الوصف ويمثل الشماتة هو رجل يملك المجلس ويحبه الحاضرون، رغبة في مدحه وخشية من لسانه، فهو إذا غاب افتقد وإذا حضر أطرب وأضحك. موقف المؤمن أن يحمد الله على ما حباه من النعم ويعلم أنها من فضل الله عليه فيبقى ممتنا للخالق، خائفا من زوال نعمته عنه، وعندما تنصرف عينه إلى أصحاب الفقر والعوز والحاجة والمرض يحمد الله أن عافاه مما ابتلاهم به فلا هو بخير منهم ولا هو بأكثر منهم تميزا أو حضوة ولكنه بلاء حل عليهم امتحانا وتكفيرا لذنوبهم ورفعة لهم في الدار الآخرة، كما أن النعمة التي بين يديه أيضا بلاء ليعرف حاله أيكفر أم يشكر، أما هذا السفول والتدني بالسخرية والتعالي فما هو إلا انحطاط بالأخلاق وتكبر على عباد الله بقضاء الله.