ما تشهده كرة القدم السعودية من فوضى في العقود والتعاقدات وأرقام فلكية في أسعار اللاعبين لم يكن مفاجئاً لكل من يضع عواطفه جانباً ويبني تقييمه على العوامل الفنية والمالية والقانونية عدا عن عامل النفوذ الذي تتمتع به أندية دون غيرها. قضية انتقال عوض خميس للهلال وتوقيعه عقدا آخر مع ناديه النصر لن تكون الأخيرة لسبب بسيط هو أن بعض اللاعبين الذين ينتمون لأندية تتمتع بقوة إعلامية وإدارية ونفوذ داخل غرف صناعة القرار في اتحاد الكرة أصبحوا يتلاعبون بالقوانين والعقود ويضربون بالأنظمة عرض الحائط، وقصة انتقال سعيد المولد ليست ببعيدة فالسيناريو الذي حدث في جدة شهدناه في الرياض. كان الدكتور عبدالله البرقان مصمماً على وضع حد لهذا العبث وإيقاف هذه الممارسات غير الأخلاقية والبعيدة عن احترام القانون، حتى في قضية البرازيلي إلتون خوزيه كان مصراً على احترام العقود تماماً مثلما كان موقفه في قضية المولد حين وقف "دكتور الاحتراف" ضد الأهواء وحاول حماية مكتسبات الأندية القانونية. رحل البرقان الآن، وحضر المهندس طارق التويجري وسيكون أمام أمرين لا ثالث لهما، إما السير على نهج سلفه أو الاستسلام للضغوطات وتحويل العقود لمجرد ورق لا يلزم أحداً ولا يردع طرفاً أمام أي محاولة للتلاعب، كان البرقان يعاني من ضعف المنظومة التي يعمل تحت مظلتها ولم يحظ بدعم كافٍ من رئيس الكرة السابق أحمد عيد الذي انتهج سياسة إرضاء ذوي النفوذ وتجنب الدخول في صراعات مع الأندية ورؤسائها وإعلامييها، أما التويجري ومن خلفه الدكتور عادل عزت فهما يقفان أمام امتحان صعب سيحدد مدى قوة هذا الاتحاد وحزمه تجاه هذه الممارسات الفوضوية. ولفهم هذه القضية وما يدور خلف كواليسها، لا بد من العودة بشريط الذكريات إلى أكثر من عقد مضى، حين تحول اللاعب من طرف يحكمه النظام والعقود، إلى الطرف الأقوى الذي يتلاعب بالعقود والكيانات وجماهيرها ويحصل على الأموال الطائلة ويتمتع بحصانة جماهيرية وإعلامية واسعة، وآخر هؤلاء سعيد المولد الذي لم يدفع ثمن خطأه في التوقيع للأهلي بعد انتقاله للاتحاد، إذ وجد من يدعمه ويصفق له نكاية بلجنة الاحتراف ورئيسها لتأتي بعدها قضية الحارس محمد العويس. هذه بضاعتكم ردت إليكم، وهذه نتيجة عدم احترام العقود والأنظمة والفوضى التي سيكون اتحاد الكرة وحده مسؤولاً عن إيقافها، وإلا فإن على احترافنا وكرتنا "العوض".