لم يكن حديث الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن عن الموسيقار "طلال" في أمسيته الشعرية التي أقامها الجمعة الماضية في الرياض، إلا تأكيداً على الثنائية المميزة التي جمعت الاثنين منذ العام 1983 م، وهو العام الذي ظهرت فيه أغنية "قلت المطر" كلمات البدر وألحان الموسيقار طلال وأداء "صوت الأرض" الفنان الراحل طلال مداح. كانت الأغنية إستمرارية للتعاون الكبير في نفس العام الذي امتزج فيه الإبداع الشعري بالفكر الموسيقي الراقي، وأثمر عن تاريخ فني مهم بأصوات مطربين كبار من أميزهم الراحل طلال مداح بأغنياته التي قدمها بعد العودة من الاعتزال عندما انطلاق مداح بأغنية «ياناس الأخضر». يقول الأمير بدر بن عبدالمحسن في حديثه الأخير بأنه في بداية الثمانينيات سلم عدة نصوص لطلال مداح، كما سلمها في الوقت نفسه للموسيقار طلال ليقوم هو بتلحينها، وقد نتج عن ذلك جملة من الأعمال الشهيرة، منها أغنية "يا ناس الأخضر لا لعب" التي أصبحت نجمة في سماء الأغاني الوطنية الرياضية، وتوالت بعدها الأغاني "سيدي قُم" و"الا يا خل ساعدني" والأغنية الشهيرة "قصت ضفايرها" بلحنها البديع، وأغنية "نجمة ونهر" وغيرها. هذا التاريخ لم يكن مجيراً لطلال مداح وحده، بل امتد إلى أكثر من صوت لتكتشف الأذن مدى القدرة الإبداعية عند البدر "شعراً" والموسيقار طلال "نغماً" ليتحول هذا الثنائي إلى نموذج فني مميز احتل مكانته ليس سعودياً فحسب بل خليجياً وعربياً. إن حديث البدر عن دور الموسيقار "طلال" وأهميته التاريخية في مسيرة الأغنية السعودية إنما يعتبر وفاء من الشاعر المبدع لمن حافظ بألحانه وموسيقاه على قيمة الأغنية في العقود الثلاثة الأخيرة. ولم يكن حديثه مجرد ذكريات، بل استرجاع للتاريخ العريض والثنائية التي جمعتهما في عدة أصوات كان منها "فنان العرب" محمد عبده عندما غنى من إبداعهما "أنا حبيبي بسمته" و"خواف" ليختتمها بعد أكثر من ثلاثة عقود ونيف بأغنية "عالي السكوت" و"خريف". هذه الأغاني تمثل مجد الأغنية السعودية. طلال الذي استطاع بقدراته تجاوز الملحنين العرب، رسخ صورة نغمية مذهلة، تحمل استيعاباً لجماليات الأغنية في نجد والحجاز والقدرة على اختراق التراث واستثماره، ليكون مجدداً في شكل الأغنية ومسؤولاً عن هويتها منذ مطلع الثمانينيات وحتى اليوم. وأقدميته كملحن قدير، خاصة في تعاوناته مع البدر، ساهمت في تطوير الذائقة وترسيخ مفهوم الموسيقى وهوية الأغنية منذ "34" عاماً. ورغم هذا التاريخ، وهذا المنجز الفني المتميز، لم يكن يبحث عن مجد شخصي، ولم يسوق لاسمه، بل كان يظهر بأسماء مستعارة، إلى أن اختار اسم "طلال" بطلب من محبيه ووضع كافة إبداعاته تحت هذا الاسم، حفظاً للتاريخ الذي سرد جانباً منه البدر في أمسيته الشعرية.