جاء تكريم الموسيقار السعودي "طلال" في دار الأوبرا المصرية تتويجاً لمسيرة طويلة قضاها هذا الملحن في فضاء الأغنية السعودية، ورغم أن البعض لا يعرفون "طلال" حق المعرفة ويعتقدون أنه اسم طارئ على الأغنية؛ إلا أن العارفين بكواليس صناعة الأغنية السعودية يعرفون من هو هذا الملحن الكبير ودوره الموسيقي المهم منذ أكثر من ثلاثة عقود. لذا فإن الاحتفالية التي أقيمت في دار الأوبرا المصرية قبل أيام لم تأت مجاملة بل كانت تكريماً مستحقاً لفنان مبدع ظل يعمل خلف الكواليس لأكثر من 35 عاماً يصنع الألحان ويصممها ثم يضعها تحت أسماء ملحنين آخرين لعدم رغبته في الظهور رغم عشقه الكبير للموسيقى؛ ويكفي أن نذكر أن "طلال" هو الملحن الفعلي لأوبريت "مولد أمة"ولأغنية «هلا بالطيب الغالي» حتى ندرك أي قيمة فنية قدمها لتاريخ الأغنية السعودية. في سنوات الثمانينيات والتي ابتدأت معها شركات الإنتاج في ترسيخ هوية الإنتاج الرسمي، كان "طلال" موجود كملحن بارع يقدم ألحانه لكبار المطربين امثال "صوت الأرض" طلال مداح ومحمد عبده ورابح وراشد الماجد وغيرهم، مستمراً في عطائه حتى وقتنا هذا الذي أتحفنا فيه بلحن سيمفوني لأغنية جديدة عنوانها "سامحني ياحبيبي" تغنى بها عبادي الجوهر مع آمال ماهر. لقد وقفت ظروفه الاجتماعية حائلاً دون ظهوره للعلن، لذا فضل أن يصنع الألحان وينسبها لأسماء مستعارة أو لأحد أصدقائه الملحنين تقديراً واحتراماً لهم ورغبة في بث النغم الجميل وإيصاله للجمهور. أوبريت "مولد أمة" وأوبريت "خليج الكبرياء" وأكثر من 600 لحن لأغان مشهورة جداً تؤكد مكانة طلال في المشهد الغنائي السعودي. قال عنه كاظم الساهر بعد أن تغنى بعدد من ألحانه : "لم اغنِ الا لملحن تفوق على قدرتي.. رافضاً كشف الهوية الحقيقية للملحن الاصل". محمد شفيق رحمه الله طلال عندما أعلن حضوره قبل نحو العامين، وعندما كشف عن نسبة تلك الأغاني المشهورة له، لم يكن يقصد التقليل من الملحنين الذين وضعت تلك الأغاني بأسمائهم، خاصة الراحل محمد شفيق الذي وضع اسمه ملحناً لأوبريت "مولد أمة" ولأغان أخرى كثيرة، فليس القصد من الإعلان نسف تاريخ هؤلاء، إنما إعادة كتابة تاريخ الأغنية السعودية من جديد وبشكل صحيح ودون مجاملات، وإعادة الاعتبار للمبدع الأصلي لتلك الألحان. لم يقصد طلال طمس اسم الراحل محمد شفيق او غيره من الذين استفادوا من توهج قدراته وتعامله المبني على ان ثقافة الفن الإبداعية هي في الأصل عمل جماعي. طلال الملحن الكبير لم يكن جديداً بالساحة، بل ساهم في تطوير الذائقة وترسيخ مفهوم الموسيقى وهوية الأغنية السعودية قبل أكثر من "35" عاماً كانت حافلة بالإنتاج والتميز. ولم يكن ابتعاده عن الأضواء استثناء إذ لدينا في الساحة الشعرية أو الفنية اسماء مستعارة كثيرة تتخفى لأسباب عديدة، بعضها لم يسعفها الحظ لتصحيح ونسب الاعمال للشخصية ذاتها وبالتالي عرفت أعمالها مجردة ودون أن تدون بإسم كاتبها او ملحنها الحقيقي. بعض هؤلاء لا يهمه الاسم بقدر ما يهمه قيمة العمل الفنية، وهو ما يوضحه تاريخ الملحن طلال الذي عمل على قيمة العمل الفني باللحن الجيد والكلمات المعبرة والصوت الجميل عبر تعاونه مع الكبار أمثال عبدالكريم عبدالقادر "شفاه الله" وذكرى وغيرهم، ودعم الصغار حتى كون لهم أرشيفاً فنياً ثرياً لا ينسى.يحتوي علىأغان شهيرة من ألحانه مثل «أنا حبيبي» و«بنلتقي» و«عشقت حرف العين» إن إعلان "طلال" عن دوره في صياغة ألحان أشهر الأغاني التي شكلت هوية الأغنية السعودية في الثلاثة عقود الماضية، إنما يفتح الباب أمام المؤرخين ليعيدوا كتابة تاريخ الأغنية من جديد والبحث عن الأسماء التي بنت أمجادها على إبداع الملحن القدير.