هل يملك الكاتب اليوم أن يكتب قناعاته وينشرها على الناس كما تمليها مسؤوليته الأخلاقية ورؤيته للكون والحياة؟ وهل فعلا بقي للكاتب والمثقف دور واضح في قيادة مجتمعه والإسهام في تنويره؟ هذه الأسئلة ربما لم تكن بذات السخونة قبل عقود حين كانت الجماهير تتلقى الطرح الفكري كمسلمات نخبوية لا تقبل إلا التسليم. وهذا التسليم تعززه تقاليد مستقرة أن (معظم) ما يكتبه أو يطرحه صاحب الرؤية هو جزء من أمانة صيانة النظام الفكري وتعزيز قيم المجتمع سواء عبر مشروع فكري ناضج أو كتاب معمق أو مادة تلفزيونية مؤثرة بعمقها وأصالتها. أما اليوم وفي عصر وسائط ووسائل "التفاعلية الجماهيرية" ربما لم يعد أمام قسم كبير من هؤلاء المثقفين والمفكرين من وسائل لمواصلة هذا التصدّر (الرمزي) في مجتمعه إلا بالنزول عن برجه العالي والتنازل عن بعض قناعاته ليحظى ببعض القبول. أصبحت سلطة الجماهير -في عصر الإعلام التفاعلي- اليوم تفرض شروطها واستحقاقاتها على المشهد الإعلامي ومن ثم يتشكّل أثرها الفكري، ولكن كثيرين لم يتأملوا بعد حقيقة هذا الانقلاب في المشهد وواقع تبدّل الأدوار. هي سلطة الجماهير الطاغية التي لم تعد تكتفي بهذا التطور الاتصالي، بل أصبحت واقعا وبشكل تلقائي هي التي تختار الرمز من بين الصاعدين على مسرح الشأن العام أو تسقطه. وهي أيضا التي تفتّش و"ترمّز" من يعبر عن قناعاتها أيا كانت هذه القناعات، بل وتملك السطوة في أن تجعل من مشهد مصوّر قد لا يتجاوز نصف دقيقة عنوانا لمرحلة، ومثالا لجيل من الطامحين الجدد للنجومية. تأمل مشهد بعض "نجوم" الإعلام الجديد الذين لا يملكون مشروعاً سوى إرضاء عواطف وربما غرائز شرائح يختارونها من الناس وهم في سبيل ذلك لا تحدّهم أيّ حدود. حاول أن ترصد حال هذا "النجم" المصنوع إذا صعد أو إذا هوى وستجد أن من صعّده أو ألقاه في هاوية النسيان هي هذه الحالة الجماهيريّة التي تؤرجح (مصير) هذا النجم المصنوع بين كفتي الرضا والغضب الجماهيري. ولعل الصورة الأوضح هنا تتجلّى على شبكة "تويتر" وشبكة "سناب" حيث تتفاجأ ببعض من تعرفهم من الرموز وهو يتسوّل الناس للمتابعة والبقاء. وتتملكك الدهشة أحيانا وأنت تتابع بعض من تعرفهم من رموز الشبكات الاجتماعية حين تجد صاحبك (الرمز) يتكلّم عن قضية برأي وهو (فعلاً) في فريق عمل يؤسس لنظام أو اشتراطات تعاكس (كل) ما يقوله علناً. * قال ومضى: النجومية المزيّفة مثل الألعاب النارية تدوي وتبهر ثم تنطفئ إلى الأبد.