هو صحافي المستقبل. إنه طالب فرع الإعلام، في كلية الإعلام والتوثيق، أو ما في حكمها من مسميات، وفقاً لكل جامعة. في السنوات العشر الأخيرة، أضيفت فروع جديدة لكليات الإعلام، مثل الوسائط المتعددة، والإعلام الاجتماعي، كما تغيرت كثيراً مفاهيم ومبادى التوثيق. مفاهيم الإعلام ذاته، أو الإعلام الجماهيري، شهدت ثورة تاريخية، بالمعنى الواسع للمصطلح. علوم الإعلام تغيرت عالمياً بفعل الأمر الواقع، أو لنقل بفعل تحولات كونية كبرى، في مقدمتها الثورة الرقمية، وبروز القرية الكونية، كحقيقة لا افتراضاً نظرياً. الإعلام ذاته شهد ولادة تاريخية جديدة، غير مسبوقة كيفاً وكماً. والخلاصة، أن هناك عصراً جديداً في عالم الإعلام، مفهوماً ومنهجاً وواقعاً. وقد بات على طالب الصحافة مواكبة هذا المتغير، في دراسته ورؤيته وعمله. وهذه مسؤولية الجامعة والطالب سواء بسواء. وإذا كان هناك من طالب يريد دراسة الإعلام بذات الكيفية التي كانت سائدة قبل عقد من الزمن، أو أكثر من ذلك، فإنه يضع نفسه في التاريخ لا الواقع. إن المطلوب هو فهم الإعلام بحقائق اليوم، لا الأمس. وفي إطار هذه المقاربة، أو بموازاتها، يثور السؤال التالي: هل يعني تخرج طالب الصحافة في الجامعة أنه أصبح قادراً على ولوج العمل الصحفي؟ الجواب: نعم. إنه يعني ذلك مبدئياً. بيد أن هناك وجها آخر لهذه المقولة، أو المسألة. لا يجوز تحميل الجامعة ما لا تحتمل، وكذلك الطالب. وبينهما المؤسسات الإعلامية على اختلاف أدوارها. الصحافة علم وفن. من دون العلم يفتقد المرء الرؤية والبصيرة. ومن دون الفن يغدو العلم حبيساً، غير قادر على الانسياب والتواصل مع المحيط. في تجربة مسيرتي، في حقلي الصحافة والإعلام، كانت لي بعض المحطات التي مارست فيها دوراً تدريبياً لعدد من طلبة الإعلام، وفي الغالب لخريجي الصحافة. في هذه التجربة، مر بي من تقدم علمه على فنه، ومن تقدم فنه على علمه، ومن جمع بين الملكتين، وكان على ما يصبو المرء ويتمنى. كان السؤال الأول الدي أطرحه على المتدرب هو: كم عدد المقالات التي كتبتها، أو عدد الأعمال الإعلامية في المجمل؟ كانت المفاجأة لدي دائما تتمثل في القول بقلة هذه الأعمال، وعدم انسجامها وما تلقاه الطالب من تعليم امتد على سنوات، وبذل فيه الكثير من الجهد. بالطبع، هذه مشكلة محورية، فالجامعة مهما بذلت من جهد لا تستطيع أن تكون بديلاً عن مؤسسات الصحافة والإعلام التي يُمكن أن تناط بها مهمة تدريب الطالب. ومن ناحيتها، لا تستطيع هذه المؤسسات، لأسباب إجرائية، أن تتحمل تدريبا يمتد لفترات طويلة، أو يستوعب أعداداً كثيرة من الطلبة. والطالب ذاته، لا يستطيع، في الغالب أن يعثر، من خلال قنواته الخاصة، على من يعينه على تنمية قدراته وإعداده للحياة العملية. وخلافاً لما قد يبدو لأول وهلة، فالقضية هنا لا ترتبط فقط بكيفية تدريب الطالب على كتابة المقال أو العمود، بل بتدريبه على أشكال واسعة من العمل الصحافي، التي قد تطلب منه، ويسأل عنها، حين تقدمه للعمل في المؤسسات والهيئات الإعلامية. من يتحمل هذه المسؤولية في نهاية المطاف؟ ليس هناك من بديل واقعي. لا بالنسبة لنا نحن هنا في الشرق الأوسط، ولا على صعيد عالمي عام. وعلى الطالب أن يدرك منذ بداية مساره في الجامعة أن عليه أن يرفع بجهده الذاتي قدراته العلمية والفنية، وأن ينظر إلى الجامعة باعتبارها ساحة انطلاق تمهد له الطريق، وعليه أن يجتهد للوصول نحو الهدف.