هل تتخيل أن تعيش معظم حياتك في أروقة الجامعة؟ ربما يصاب بعضكم بقشعريرة من هذه الفكرة، لأن بعضنا يريد أن "يفتك" من الدراسة في أقرب فرصة. ولكن، وبالنسبة للإنسان الأكاديمي، فإن فكرة الحياة في الجامعة هي الحلم الذي يراوده دوما. وإن كان حلما "ورديا" ينغصه الواقع أحيانا. بعكس ما يظنه كثير من الناس، فإن حياة الأكاديمي "النشط" متغيرة ومتجددة باستمرار. فهو يتعلم شيئا جديدا في كل يوم، وخصوصا عندما يمضي جزءا كافيا من وقته في البحث العلمي والدراسة ومحاولة التفكير بطريقة إبداعية في تخصصه الدقيق. ففي الجامعة، تبحث وتتجرأ على وضع أفكار وفرضيات ثم تختبرها وتقدمها لمجتمعك العلمي والإنساني. حتى وإن كانت الجامعة هي مصنع الأفكار، فإن تلك الأفكار لا يشترط أن تكون جميعها جيدة. فكما أن "الشيف" قد يجرب عدة "طبخات" ويختبرها، فينجح بعضها لتخرج إلى الزبائن، وتفشل بعضها فتوضع في الأرشيف ليتعلم أقرانه من هذه التجربة الفاشلة، فإن ذلك هو حال الإنسان الأكاديمي. فالمطلوب منه هو أن يولد أفكارا في تخصصه ويختبرها، فبعضها ينجح وكثير منها يفشل. وتستمر هذه الحلقة الإبداعية طيلة عمر الإنسان الأكاديمي النشط، على أمل أن يصل في يوم ما إلى فكرة تخلد في تاريخ تخصصه. على أي حال، مهمة توليد الأفكار واختبارها هي مهمة غاية في الصعوبة وتتطلب تركيزا عاليا وتفرغا وبيئة مناسبة ودعما كافيا، وهي السبب الرئيس الذي يجعل الأكاديمي النشط يرغب في أن يمضي حياته كلها في أروقة الجامعة، بعكس ذلك المحبَط والمحبِط الذي يراها مهنة قسرية مملة لا يتحملها إلا لأنها مصدر رزقه. لكن بالتأكيد فإن حياة الإنسان الأكاديمي لا تصرف كلها في توليد الأفكار، إذ إنه مسؤول عن نقل المعرفة والمهارات إلى الطلبة، وهي مهمة شاقة وأمانة كبيرة لأن المستوى العلمي في الجامعة مرتفع، وبالتالي فإن إهمال الأكاديمي لطلبته قد تكون له نتائج سلبية جدا على حياة الطالب العملية بعد الجامعة. لذلك فإن الأكاديمي الذي يحب أن يؤثر في غيره تأثيرا موجبا يجد في الجامعة وفي التعامل مع الطلبة تحديا ممتعا! أخيرا، ما أجمل الحياة في الجامعة إذا كانت توفر بيئة إبداعية تجذب محبي العلم والتعلم والبحث العلمي، وتنفر الفاسد علميا، ولا توجد فيها طبقية بين الباحث والطالب والموظف، وكانت بيئة نشطة ليس بها تعطيل بيروقراطي عقيم، وكانت بيئة محفزة تسمح لكل منسوبيها بأن يصلوا لأقصى ما يمكن أن يصلوا إليه من الإبداع والإنتاجية!