أسلوب الحياة المتكرر والمتقاربة وتيرته ذات النمط المتشابه جعلت الرؤية المستقبلية شبه واضحة لدى أجدادنا كما أنها ثبتت خططاً ضمنية غير مكتوبة ولكنها معروفة ودقيقة إلى حد كبير، وقل أن تخفق نتائجها. وتعد تلك الخطط الضمنية من الرؤية المستقبلية لدى أجدادنا ذات البعد الاجتماعي والاقتصادي بل والأمني والسياسي..إلخ إنها مع الزمن وتكرار التجارب؛ أصبحت أسلوب حياة واندمجت مع طرائق ومناشط آنية ومستقبلية حتى لم يعد هناك فارق بين الخطة المستقبلية والحياة اليومية، ومما تجدر الإشارة إليه والتأكيد عليه أن حياتهم صعبة جداً فلا يوجد في حياة أجدادنا مورد ثابت يخلو من التقلبات التي قد تزيده أو تضعفه أو توقفه تماماً، فمواردهم الأساسية كانت على الأمطار والرعي، ومعاملتهم تشمل المال أو المقايضة، والعزلة غالبة والنقل صعب، بل إن الوسائل كانت معدومة، والحرف في عمومها والصناعة يدوية. لهذا تركزت فكرة وخطة التخزين لكل ضرورات البقاء لديهم واعتبرت جزءاً لا يتجزأ من الميزانية التي تعدها الأسرة كل عام وتشمل: الأعشاب والحشائش علفا للدواب، وكذلك تخزين قوتهم من الحبوب بأنواعها للتزود بها بقدر الضرورة. إن من يقرأ تاريخ أجدادنا وأحوالهم بكل تنوعها وبكل ما فيها من مناشط وتجارب وكذلك الإعداد لحالات الطوارئ والكوارث والمفاجآت من سيول وحروب وأمراض..الخ؛ يجد أنهم يعدون خططا مدروسة متفق عليها وأغلبها ضمنية مفروغ منها قد دخلت ضمن المسلمات في حياتهم لا تحتاج لتجديد اتفاق حولها ولا توثيق ولا رسم يتجدد. وإذا كان الرعي والزراعة دعائم أساسية لديهم وهي قوام الاقتصاد عندهم بالإضافة إلى موارد إضافية من حرف وأعمال يدوية وتجارة، فإنهم جعلوا من كل مناحي وفروع أساليبهم الحياتية أساسيات لا يمكن التهاون بها أو إهمال التعاون في شأنها حاربوا الإسراف والفساد وجاءت وصاياهم وقصائدهم ومشورتهم تحث على التدبير والاقتصاد والاعداد للمستقبل يقول عبدالله بن إبراهيم المقرن من قصيدة وجهها لولده: ودّك إلى منك بلغت الثلاثين تبدأ تجمع خزنةٍ للعواده ثلث المكدة حطها في بعارين وثلث تخرج منه اضبط حسابه والثلث الآخر صك دونه كوالين يجري على المخلوق شٍ ماهقى به ولولا الخطط والاهتمام بها بعد الله ما كانت تلك الأجيال عبرت بشكل سليم ومتوازن؛ أزمنة متقلبة، علما أن من أهم بنود خططهم توقع انفراج الأزمات وزوال المصاعب وبعد العسر يسرا يقول حميدان الشويعر: لا تضم التي ينخزن دونها دوم نجارها بأمرها ينجري لو تقول ارفقي يا مره بالحلال دبري مرزقك هالسنة واصبري بان منها من العيب ما تكرهه وباشرت في حلالك له تبذّري لو يخطره شريف كان ما سرّها ودها انه يخطَّر ولا يخْطِري وفي التوكل على الله وسؤاله ما يغني ويعين، يقول الشاعر بجاد الدلبحي: يارب باب الرزق ماصك بابه ومالي ولا لي غير عفوك ورجواك أنت العظيم اللي نخاف ونهابه وانت الكريم اللي جزالٍ عطاياك ما عدّت افضالك حروف الكتابه ولا حصر طول الزمن مد يمناك وقالوا في الحكمة (عش على محصولك) والقصد تدبير المتاح من الموارد في بيئتك وعدم استنزافها أو التفريط فيها، وهذا جزء من الاكتفاء الذاتي وهو أمر مهم في تدبير الكثير أو القليل.