لم تترك المنتجات الحديثة المستخدمة في حياة الناس اليومية أي منفذ لعودة منتجات الحرف اليدوية التي كانت سائدة ردحًا من الزمن.. وها هي اليوم تتوارى أمام هذا «الطغيان الحديث» محيلة إياها إلى متحف التاريخ، وزوايا الذاكرة الإنسانية، مكتفية بحظها في الظهور الموسمي في معارض التراث والأصالة، أو عند بعض ممن لا زالوا يؤثرونها على المنتجات الحديثة.. هذا الواقع الذي أشرنا إليه حرّك بعض محبي هذه المنتجات اليدوية وصنّاعها، مطالبين بعودته إلى حياة الناس كسابق عهدها، بإيجاد سوق لمن ما زالوا يواظبون على إنتاج هذه المصنوعات المحلية، وحجتهم في ذلك أن اندثار تلك المهنة سيضعف نشاط سوق الحرف الوطنية، مؤكدين طلبهم للجهات المختصة بفتح سوق خاص بالحرف لرفع مستوى تجارتهم وخلق فرص عمل جديدة للشباب، بالإضافة إلى جذب السياحة للمملكة من خلال صناعاتهم اليدوية. مطالبات الحرفيين ففي هذا السياق طالب الحرفي محمد سالم الغامدي الجهات المسؤولة بفتح أسواق خاصة للحرفيين والحرفيات تساعدهم على كسب لقمة العيش وإيصال حرفة اليد إلى الخارج من خلال الإبداعات.، وزاد الحرفي عيسى الغامدي على مطالبة رصيفه سالم بفتح مركز تجاري خاص بمنتجات الحرف اليدوية وتقديم قروض مادية للمشاريع، مع دعم الجهات المختصة أيضًا لهذه الأعمال حتى تستمر ويقبل الناس عليها. أما الحرفي عبدالله الزهراني فيتجه بالحديث إلى بيان أهم العقبات التي تواجه الحرف اليدوية،حاصرًا إياها في عدم توفر المواد الخام، وارتفاع أسعارها، وارتفاع الإيجار للأماكن والمتاجر التي يزاولون فيها حرفهم، وعدم وجود مقر دائم ومنظم، وانخفاض العائد من الحرفة مقابل الجهد المبذول، وانخفاض الطلب على المنتجات، مطالبًا في ضوء ذلك إلى تنظيم برامج سياحية لتشجيع الطلب على المنتجات، وإنشاء مراكز تدريب لنقل الحرفة للآخرين، وفتح قنوات تسويقية للمساعدة في زيادة المبيعات، وحماية المنتج المحلي بالحد من الاستيراد. الحرفي محمد الحساوي طالب بتبني أصحاب الحرف اليدوية والمهنية الصناعية التي تعتبر من الموروث الاجتماعي وتشجيعهم على مواصلة العمل والمحافظة عليها وذلك بتوفير وتسهيل الاقتراض مما يتيح لصاحب الحرفة اليدوية تطويرها من كافة النواحي العملية والإنتاجية. هوية أمة رؤية الدكتور محمد بن عبدالله إدريس أستاذ التصميم العمراني المشارك بجامعة أم القرى حول الموضوع صاغها بقوله: الحرف اليدوية عرفت منذ أن خلق الله البشر واستخلفهم في الأرض لعمارتها، وقد ظهر دور الحرف اليدوية جليًا في مجال العمارة والعمران، وتمثل في فن البناء ابتداءً من تجهيز وتشكيل حجارة البناء، مرورًا بأعمال البناء وأعمال النجارة (المشربيات والمنمنمات والرواشين والأبواب)، وانتهاء بأعمال التلييس والزخرفة، وكان لكل حرفة درجات وألقاب، ولكل مهنة كبير يرجع إليه الحرفيون في حالة اختلافهم لينظم أمورهم ويسمى شيخ الطائفة، وكان الأبناء يتوارثون هذه الحرف من آبائهم، وقد أعطت هذه الحرف طابعًا وهوية عمرانية مميزة لكل مناطق المملكة، ولابد من التأكيد على الجانب الإعلامي في تشجيع الحرفيين والحرف اليدوية والحفاظ عليها، وإقامة المعارض والندوات، والمسابقات الحرفية. وإظهار الدور المهم للحرفيين في المجتمع، بإنشاء جمعية للحرفيين السعوديين تهتم بالحفاظ على الحرف اليدوية وتطويرها، وتقديم الدعم والحوافز للحرفيين لتحسين أوضاعهم، وحمايتهم من العمالة الوافدة، والتأكيد على إعطائهم الأولية في تنفيذ العمل، وإنشاء جائزة للإبداع الحرفي لكل من قام بعمل حرفي مميز، وجائز للحرفي المثالي تمنح كل عام. والتأكيد على أهمية الدور الذي تقوم به الهيئة العليا للسياحة في المحافظة على الحرف اليدوية التقليدية وعلى التراث العمراني في جميع مناطق المملكة وضرورة دعمها بالإعتمادات المالية والقوى البشرية اللازمة لذلك. وتأسيس وحدة للحرف اليدوية بقسم البحوث الإنسانية والإدارية بمعهد خادم الحرمين الشريفين لأبحاث الحج تكون مهمتها توثيق الحرف اليدوية المكية وإعادة تأهيلها من خلال الدورات التدريبية بالاستعانة بأصحاب الحرف الموجودين ونقل المهارات إلى أجيال جديدة مع التركيز على أبناء الطائفة الحرفية. وإنشاء معاهد متخصصة لتخريج الحرفيين المؤهلين في المجالات المطلوبة بالتدريب والاستفادة من الحرفيين الموجودين في نقل أصول الحرفة، وتشجيع الشباب على الالتحاق بها باعتماد وظائف حرفيه مختلفة في المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص بمراتب ورواتب مغرية، وإنشاء صندوق الحرف اليدوية لدعم الراغبين في العمل الخاص. تسويق إلكتروني مديرة الجمعية الفيصلية الخيرية النسوية بجدة فوزية عبدالرحمن الطاسان قالت: من الواضح اتجاه المملكة في السنوات الأخيرة إلى تطوير الصناعات الحرفية وبرامج الأسر المنتجة، وهذا يؤدي إلى تطوير القدرات وزيادة الإمكانيات التي تساعد في دعم هذا المجال وبالتالي زيادة معدل الناتج الاقتصادي للدولة. وتستدرك فوزية قائلة: إلا أن مخرجات الحرف والإنتاج الأسري لا يفي بمتطلبات السوق كمًا ونوعًا، خاصة وأن سوق المملكة مفتوح على كل الأسواق، وهذا يدعو إلى إعداد خطط قصيرة وبعيدة المدى لدفع عملية هذا الإنتاج ليصل إلى درجة عالية من الجودة والاحتراف، كما أن تسويق المنتجات لازال يعتمد على أساليب تقليدية مع عدم وجود آليات قياس العرض والطلب في السوق وعدم وجود منافذ تسويق واضحة لدى الحرفيين، مما يبرز الحاجة إلى وضع خطط تسويقية حديثة وفعالة لتسويق هذه المنتجات بما يساهم في: • دعم النمو الاقتصادي. • الحفاظ على التراث اليدوي المحلي وتطويره بما يتلاءم مع متطلبات العصر. • إبراز دور الجمعيات الخيرية في نشر ثقافة العمل اليدوي ودعم الأسر المنتجة والحرفية من خلال توفير المظلة التنظيمية الحاضنة لهم لتطوير وتنمية الأداء الحرفي وتنظيم عملية الإنتاج والتسويق بأسلوب محترف يعمل على تكوين دخل شهري ثابت لهذه الأسر من خلال إنتاجهم ويؤدي لاستقرار أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية. وتشير الطاسان إلى أن هناك صعوبات وعقبات تواجه الحرف والصناعات اليدوية بقولها: فالبرغم من الجهود الكبيرة المبذولة من الحرفيين ومن الجمعيات الخيرية المهتمة بدعم مشاريع الأسر المنتجة في مجال تطوير وتنمية المنتجات الحرفية وتسويقها إلا أنها تواجه العديد من الصعوبات والعقبات لعل أهمها: • عدم تناسب المنتجات مع احتياجات السوق الفعلية واعتماد الحرفيين في إنتاجهم على رؤيتهم الفردية وميولهم الشخصية بدون دراسة لواقع السوق المحلي وتحديد احتياجاته مما يؤدي لعدم رواج هذه السلعة والقصور في تطويرها وبالتالي عدم تحقق الغاية المنشودة من عملية الإنتاج. • القصور في تطوير بعض الحرف التي تعتمد على موارد محلية أساسية مثل النخيل والجلود والصوف. • عدم وجود منافذ تسويقية جديدة لهذه المنتجات وعدم قدرة الحرفيين على التعامل معها في حال وجودها. وتكشف فوزية عن تجربة الجمعية الفيصلية التسويقية لمنتجات مركز سليسلة للحرف والفنون التراثية الحديثة بقولها:عمِلنا في الجمعية الفيصلية على إيجاد حلول مناسبة لتخطي العقبات والصعوبات التي تواجه تطوير وتنمية الحرف اليدوية والتي لا تقتصر على الجانب التسويقي فحسب بل تشمل الجانب الإداري والإنتاجي لهذه الحرف، فقد كان لزامًا علينا التركيز في عملية الإنتاج على توفير المظلة الحاضنة للحرفيين والأسر المنتجة وتدبير التمويل اللازم لدعم إنتاجهم إضافة إلى توفير البيئة الإنتاجية المناسبة لهم وتزويدهم بكافة الآلات والخامات اللازمة، ومن ثم مراعاة الجانب الإداري للعملية الإنتاجية من خلال مراقبة هذا الإنتاج، وإنشاء إدارات متخصصة للتطوير والمتابعة ومراقبة الجودة ُتعنى بتطوير المنتجات وفقًا لاحتياجات السوق الفعلية وبالتالي توجيه الحرفيين لتطوير منتجاتهم بما يتلاءم مع هذه المعطيات، يلي ذلك القيام بالعملية التسويقية من خلال وضع الخطط الإنتاجية والتسويقية الشاملة لإيجاد منافذ تسويقية جديدة ومتعددة. مقرات دائمة للحرفيين من جانبه يقول المهندس سعيد القحطاني مدير المشروع الوطني لتنمية وتطوير الحرف والصناعات اليدوية (بارع): انطلاقًا من كون النشاط الحرفي إرثًا وطنيًا، ومجالًا لتوفير فرص العمل، ومصدرًا لتنمية الموارد الاقتصادية وعاملًا لإنعاش الحركة التجارية والسياحية تسعى المملكة العربية السعودية إلى تنمية قطاع الحرف والصناعات اليدوية تنمية متوازنة ومستديمة تحقق تنوعًا ثقافيًا وثراءً اقتصاديًا. والعمل على تنظيم قطاع الحرف والصناعات اليدوية وتنميته، ليصبح رافدًا من روافد الاقتصاد الوطني، وليساهم في توفير فرص العمل للمواطنين، وزيادة الدخل، وإبراز التراث، وليوفر منتجات قادرة على المنافسة، وقابلة للتسويق داخل المملكة وخارجها. ويهدف إلى إيجاد إطار مؤسسي لتنمية وإدارة قطاع الحرف والصناعات اليدوية. وإعداد مشروع نظام أو لائحة للحرف بالمملكة والرفع عنها لاعتمادها. وتحسين صورة الممارسة الحرفية بالمملكة مع الاستفادة من الحرفيين المهرة ونقل خبراتهم، وتطوير قدراتهم ومهاراتهم لتدريب الأجيال الناشئة. وتيسير التمويل للحرفيين وتشجيع الاستثمار في الحرف لزيادة مساهمتها في الناتج المحلي. وتوجيه فئة من الخريجين والخريجات المختصين في الإدارة والاقتصاد والفنون التشكيلية والتطبيقية للعمل في قطاع الحرف كمطورين ومقاولين ومستثمرين. ودعم وتشجيع برامج الحرف والصناعات اليدوية القائمة في الوقت الحاضر والبناء عليها. والاستفادة القصوى من الخامات المحلية وحمايتها وتنميتها مع المحافظة على البيئة الطبيعية. وتطوير المنتجات المحلية وأساليب إنتاجها. وتطوير الأساليب التسويقية للمنتجات الحرفية، ووسائل التسويق التعاوني. وكذلك توعية المجتمع بأهمية قطاع الحرف ثقافيًا واجتماعيًا واقتصاديًا. وتوفير المزيد من فرص العمل وزيادة دخل المواطنين. وإيجاد طاقات حرفية ماهرة لتوظيفها في المحافظة على التراث العمراني والمواقع الأثرية. ودعم وتشجيع الجمعيات الخيرية واللجان التطوعية النشطة في مجال الحرف والصناعات اليدوية. وتنمية وتطوير المهارات الحس التجاري لدى الحرفيين. وإشراك القطاع الخاص وفئات المجتمع المختلفة في تنمية القطاع الحرفي. وتمكين الحرفيين من الاستفادة من الضمان الصحي والتقاعدي. وأشار المهندس القحطاني إلى أن هناك مبادرة إنشاء مقرات دائمة للحرفيين وقد بادرت الهيئة، بالتنسيق مع أمانات وبلديات بعض المناطق التي يتركز فيها الحرفيين، وذلك لإيجاد مقرات دائمة للحرفيين في المناطق لمزاولة أعمالهم الحرفية، وتسويق منتجاتهم التي تعكس تراث المنطقة وتميزها الثقافي، وتوفير مصدر دخل منتظم للحرفيين من المواطنين، وتم إنشاء خمس مقرات دائمة للحرفيين في القصيم، والباحة، وينبع، والجوف، ونجران، وجار حاليًا التنسيق مع الشركاء في طبرجل، وعرعر، ومحايل عسير، والعلا، لإيجاد مقرات دائمة للحرفيين. مسؤولية مجتمعية ويرى الدكتور عبدالعزيز الغزي أستاذ الآثار بجامعة الملك سعود أن الحرف اليدوية جزء من تاريخ بلادنا الغالية، والحفاظ عليها من الاندثار والاختفاء من المشهد الحضاري مسؤولية كل مواطن إلى جانب الجهات الرسمية ذات العلاقة. والحرف اليدوية عديدة ومتنوعة والبعض منها لا زال يمارس وله وضعه الجيد اجتماعيًا واقتصاديًا وذلك مثل صناعة العباءات الرجالية والأحذية المميزة والحلي. ماضيًا إلى القول: إلا أن هذه الحرف بدأت تختفي من أيدي السعوديين بمزاولة العمالة الوافدة لها عند أصحاب الصناعة الأصليين، ولذا سوف تصبح حرفنا في يوم من الأيام تمارس في بلدان أخرى وتصدر إلينا منتجاتها. وعليه نجد أن الصناعات الحرفية تختفي خلال مساريين، الأول هجرها من قبل العوائل المتخصصة بها لعدم الفائدة المادية منها، والثاني تهجيرها عن طريق العمالة الوافدة. ولكي نحافظ على الصناعات الحرفية حية ونشطة لتشكل عاملًا اقتصاديًا له مردود مادي على مجموعة من المواطنين، يتوجب علينا أن نشجع تلك الحرف بالاستفادة منها في مجالات شتى ذات صلة بحياتنا اليومية. وفي هذا السبيل صدرت موافقة سامية على أن تكون جميع هدايا الدوائر الحكومية لضيوفها من إنتاج الحرفيين السعوديين. ونأمل أن يشمل ذلك القطاع الخاص والأفراد. ومن العوامل المشجعة على استمرار الحرف والحرفيين الدعم المادي الذي يجب أن يتوفر عن طريق إنشاء صندوق خاص بذلك، كما أن على الحرفيين أنفسهم أن يطوروا من صناعاتهم الحرفية في الجودة والشكل والهدف لتلامس التطلعات الفنية لجيل اليوم مع المحافظة على أصالتها. والتسويق الجدي المدروس من العوامل الرئيسة لابقاء الصناعات الحرفية حية ومتطورة في سماتها الشكلية والنوعية، ولذا يجب أن توجد الأسواق الموسمية لعرض إبداعات المنتج التقليدي في بلادنا الغالية كوسيلة من وسائل تقديمه للمستهلك، وأن يكون ذلك المنتج أحد مصادر تمويل منازلنا بالمظاهر الجمالية التي تكلف أحيانا مئات الآلاف من الريالات وفي حالات تتجاوز الملايين، فلو وجه هذا الصرف نحو المنتج المحلي التقليدي لانتعش ذلك المنتج وسوقه ومن يعمل فيه، ولاستقطب أعدادًا من العاملين مضاعفة بطرحه فرص عمل تشكل رافدًا من روافد التوظيف الحكمي والصناعي والتجاري. ومن الفائدة أن يوجد منهج للصناعات الحرفية، وأن ينظم العمل فيها بحث يقتصر على المواطن، وأن تدعم ماديًا حتى تصل إلى مرحلة فيها تكون هي داعمة لغيرها. تدريب الحرفيين ولا بد من الإشارة أيضًا إلى أن الهيئة العامة للسياحة والآثار تولي اهتمامًا كبيرًا بهذا الجانب، حيث قامت مؤخرًا بتدريب أكثر من 1460 مستفيدا في الحرف اليدوية حيث بلغ إجمالي الحرفيين والحرفيات الذين تم تدريبهم وتأهيلهم من خلال المشروع الوطني للتنمية الموارد البشرية السياحية حتى نهاية الربع الثالث من عام 2010م، 1462 مستفيدًا، منهم 656 حرفيًا و806 حرفيات من خلال 92 برنامجًا تدريبيًا وتأهيليًا، وحاضنة أعمال. ويقدمون الحرف اليدوية القديمة مثل صناعة الأبواب والنوافذ والرواشين ونقشها، وصناعة مقابض الأدوات الزراعية والأواني المنزلية وأنواع من الأثاث، وتشكيل الفخار من الطين وصناعة الأزيار والدوارق والمشارب والأواني الفخارية، والخرازة، النحاسة، الخياطة، الصباغة، الحدادة، وصياغة الذهب والمجوهرات، بالإضافة إلى الحرف النسائية المنزلية القديمة مثل الحياكة، غزل الصوف، صناعات السلال والحصير والقفاف، صناعة الأجبان المحلية، واستخلاص السمن البلدي والقشطة من حليب الماشية.