فقدت أسرة النغيمش بسدير والرياض والكويت المرحومة نورة بنت فهد النغيمش عن عمر مديد ناهز التسعين عاماً وقد كانت امرأةً وأي امرأة.. نعم توفيت جدتي المرأة الصالحة والعصامية والتي لم تكن مجرد اسم عابر ليكون فقدها عابراً، فهي قامة شامخة، استثنائية في جميع مناحي حياتها تعطي بلا حدود في خدمة اسرتها ومجتمعها وقبل ذلك دينها، رأيت الحزن يخيم على الكثير من الأقارب، وقد يكون مرده لطبيعتها وشخصيتها التي اتصفت بالقوة والقيادة والصلاح والتدين الذي قل أن تجد مثيلاً لها في وقتنا الحاضر فقد فقدنا دعوات شبه يومية منها وهذا منجم قد نكون حرمنا منه اليوم.. كانت امرأة تشعر دائماً أمامها بضآلتك وطفولتك مهما كبر سنك ولو كنت أباً أو جداً. فقد كانت تحمل مخزوناً ضخماً من الحنان والود والعطف والشفقة لو حمّل غير قلبها لناء بحمله. كانت قلباً كبيراً على القريب والبعيد تحمل هم دينها وأمتها حيث كانت الفقيدة رحمها الله صابرة محتسبة على ما أصابها، منذ تيتم أطفالها بفقد زوجها العالم الجليل الشيخ إبراهيم بن أحمد النغيمش فقد نذرت نفسها لتربية أبنائها تربية حسنة. نورة النغيمش كانت بالنسبة لي ولجميع من يجالسها من الأقارب مخزوناً ضخماً من الحكمة وكنّا نأنس بالحديث معها، كانت مصدراً للمعلومات التاريخية والشعرية والقصص والروايات القديمة، كما أنها كانت تحفظ الكثير من سور القرآن الكريم.. سجلت اسمها بين نساء هذا الزمان ورسمت في حياتها رسالة عظيمة في فعل الخير كما كانت قدوة حسنة للأجيال، ولم ولن يغيّب الموت آثار اعمالها وتضحياتها الجليلة أبداً؛ فقد كانت مدرسة ستلهم الأجيال من بعدها بمنهج أصيل في الصبر والتفاني والتضحية ولعل في كتابة هذه السطور قليل وفاءً لعظيم عطائها ودعوة للسير على خطاها، وهذا أقل القليل لبقاء ذكراها خالدة مرّ الأزمان. وللمرحومة إسهامات عديدة لا يمكن حصرها تنوعت في وجوه الخير.. كما كانت الفقيدة رحمة الله عليها سباقة في العطاء والبذل ولعلي أذكر أحد المواقف عندما كنت صغيراً وكان هناك دعوة للتبرعات للمسلمين المستضعفين في فلسطين وفي افغانستان أخرجت من جيبها ربطة من الأموال وقالت ضعها في صندوق التبرعات، وهذه غيض من فيض كما أن لها دوراً في تحسس حاجات أقاربها والسعي لمساعدتهم بما تستطيع، وأما تواجدها الاجتماعي في جميع المناسبات فهذه يجمع عليها القريب والبعيد فقد كانت تقدر الجميع، وكانت رمزاً من رموز العمل الخيري النسائي في محيطها كما أن لها محبة في قلوب الناس رأينا ذلك في جنازتها تمثّل في إعداد غفيرة من المشيعين والمعزين.. ولعلي في هذا الموقف أتمثّل قول العالم والشاعر محمد بن الحسين بن موسى الملقب ب"الشريف الرضي حين رثاء والدته: أبكيك لو نقع الغليل بكائي وَأقُولُ لَوْ ذَهَبَ المَقالُ بِدائي وَأعُوذُ بالصّبْرِ الجَميلِ تَعَزّياً لَوْ كَانَ بالصّبْرِ الجَميلِ عَزائي طوراً تكاثرني الدموع وتارة آوي الى اكرومتي وحيائي كم عبرة موهتها باناملي وسترتها متجملاً بردائي وَتَفَرُّقُ البُعَداءِ بَعْدَ مَوَدَّة صعب فكيف تفرق القرباءِ في كل مظلم أزمة أو ضيقة يَبْدُو لهَا أثَرُ اليَدِ البَيْضَاءِ تعجز الكلمات أن تفيها حقها وخصوصاً عندما تريد أن تتحدث عن قامة مثلها لا تدري من أين تبدأ فحياتها زاخرة بالكثير الكثير الذي يحتاج إلى مؤلف ولكن كل ما استطعت أن اقوله هو هذه الكلمات المبعثرة، رحلت أم أحمد تلك الرائدة بعد أن أفنت عمرها في رضا الله تعالى، وخلفت إرثاً تاريخاً حافلاً، وبموتها ماتت ذكريات جميلة وأيام لا تنسى.. رحمها الله وأسكنها فسيح جناته وألهمنا وأهلها الصبر والسلوان.