الشيخ الوهيبي.. فقيد الدعوة صح عند أحمد وغيره من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال «إنما مثل العلماء كمثل النجوم يهتدى بها في ظلمات البر والبحر فإذا انطمست النجوم أوشك ان تضل الهداة». وقال عبدالله بن مسعود رضي الله عنه «عليكم بالعلم قبل أن يُقبض، وقبضته ذهاب أهله». وقال الحسن البصري رحمه الله «موت العالم ثلمة في الإسلام، لا يسدها شيء ما اختلف الليل والنهار». في مساء يوم الثلاثاء الموافق 2/6/1430ه توفي فضيلة الشيخ/ عبدالعزيز بن محمد الوهيبي وزوجته وثلاث من بناته في حادث أليم. توفي الشيخ النزيه الذي نذر نفسه في الذب عن الدعوة السلفية وعن وطنه كان في قول الحق لا يجبن له جبان كالطود الشامخ لا يتزعزع ولا ينثني في إنكار المنكر لا تأخذه في الله لومة لائم. منذ أن عرفته في منزل والده أولاً ثم في منزله بعد زواجه فهو منزل الجود والسخاء، لا يفتر صاحبه عن استقبال الصديق والغريب وأصحاب السمو الأمراء وعلية القوم من المسؤولين ومن تمام التأمل بعد أن صمت صوته ورحل جسده أن نتذكر مواقفه وأن نستحضر صورة أعماله الجليلة. له مواقف انسانية، وخاصة اهتمامه - رحمه الله - بمشاكل الناس ومعاناتهم وحرصه على حلها سواء عن طريق المسؤولين من أصحاب السمو الأمراء أو الوجهاء أو المشايخ وذلك لما لشخصيته اللبقة والمحبوبة من قبل الجميع فقد منحه الله حب الناس وقبولاً لديهم. فأعماله الجليلة وخدماته النافعة غير خافية على أحد فلا يكاد ينتهي - رحمه الله - من حل مسألة فردية ينقذ بها بائساً معدوماً حتى يسعى لحل قضية اجتماعية ببذل جاه لدى أصحاب السمو الأمراء حفظهم الله أو المسؤولين من أصحاب الشأن ليبعد عن البلاد مضرة أو يجلب إليها منفعة. وقد عرف عنه - رحمه الله - انه لا شيء أحب إلى نفسه من القيام بأداء ما عليه من الواجب نحو دينه ووطنه. وإنه لمن الوفاء التام ذكر ما قدمه وحديثي عنه حديث من رأى لا حديث من سمع. فتجد الفقراء والمساكين يزدحمون عند باب بيته أو مسجده، فيواسيهم بالشفاعة إلى أصحاب السمو الأمراء أو التجار لما عرفوا من صدقه وكان يبحث عن الأسر المتعففة الذين لا يسألون الناس الحافا فينقذهم بنفسه ويسد عوزهم، وفي مجلسه ترى الجم الغفير من الناس من العلماء والأدباء والأعيان وطلبة العلم من داخل المملكة بل من خارجها. وكثيرا ما يرجع اليه اصحابه وعارفوه يسشيرونه بما يشكل عليهم من الأمور الهامة فيجدون عنده النصح والإخلاص لأنه ذو رأي صائب وسريرة صالحة وحسن مناصحة، وكان له جلساء خير من خيرة طلبة العلم وغيرهم من الأخيار والصالحين. لهذه الأعمال الجليلة الناصعة كان الحزن عليه عميقاً قد تمكن في النفوس فحزن عليه الصغير والكبير والأمير والمسؤول.. الخ. جعلت الرجا مني لعفوك سلما تعاظمني ذنبي فلما قرنته بعفوك ربي كان عفوك أعظما فما زلت ذا عفو عن الذنب لم تزل تجود وتعفو منه وتكرما رحمك الله يا شيخنا وأفاض على قبرك سحائب الرضوان، وشآبيب العفو لقاء ما قدمته لأمتك من مآثر ولدينك من جهاد.. مما أبقى لك لسان ذكر في الآخرين إن شاء الله وخلدك مع أعلام العلماء وعوض الأمة فيك من ذريتك «عبدالله وعبدالرحمن» من ينسج على منوالك ويجول في ميدانك طبت وطاب ذكراك وأعلى الله في الصالحين ذكرك. إن فقدك من أعظم الرزايا، والبلية بموتك من أعظم البلايا. ولكن لا نقول إلا (إنا لله وإنا إليه راجعون). إبراهيم بن حمد بن محمد آل الشيخ وداعاً أم فهد } يهرب كثير من الناس إلى القلم في حال النوازل والملمات عله أن يخرج شيئاً مما يعتمر القلب من الألم والحزن.. وهل أنا إلا من أولئك النفر؟ اللهم لك الحمد واليك نرفع الدعاء لها بالرحمة.. «محمد قم صل.. محمد خذ فهد معك يصلي.. محمد خذ معاك التمر هذا ووزعه بالحرم.. محمد ادع لي وأنت بالحرم.. محمد..» ام فهد رحمها الله. ربط الله على قلب محمد بعد الفراق فهو الصامت الباكي.. أم فهد، ابشري برب غفور رحيم فقد كتب عليك البلاء سبحانه ونحسبك أنك صبرت ولم أرك يوما من الأيام تلعنين الدنيا أو تعترضين بحال على أقدار الله.. أم فهد.. ذكرك الطيب لا يزال يسري على الأرض ويتناوله الناس، فما ذلك إلا دليل خير إن شاء الله.. أم فهد، لقد كنت مدرسة الصبر والرضاء بأقدار الله، والحرص على الصلاة حتى عندما بدت عليك علامات الإغماء وفقدان الوعي بسؤالك عن حلول وقت الصلاة من عدمه.. أم فهد، لكم وددت أن أسمع صوتك (إلى هذه اللحظة) عندما كنت أخاطبك بالكلام وتخاطبيني بالإشارة وأنت في العناية المركزة قبل يومين من رحيلك.. أم فهد، ابشري بالخير فالكل يدعو ويترحم ويذكرك بخير، ويعيد ولو في سره شريط ذكرياته معك، ونعم الشريط ويا لطيب تلك الذكريات.. أم فهد، نامي قريرة العين فإن أبا ماجد رجل ولا كسائر الرجال.. رجل هو قدوتنا بعد رسول الله (عليه الصلاة والسلام) في الصبر على الابتلاء، اسأل الله أن يجعله ممن يمشي على الأرض وليس عليه خطيئة (كما جاء في الحديث) وأن يزيده ثباتا على ثبات وأن يطيل عمره في عمل صالح.. أبا ماجد، والله إنك عندي لطعم حلاوة الدنيا وإن وجودك لجنتي فيها، بعد ذكر الله وما افترضه سبحانه علينا بها.. أبا ماجد، أما وإني لأراك وأرقب كل حركاتك، ولا أجد فيك إلا صابراً محتسباً، وأنت من يصبر القاصي والداني، وهل هذه الا علامة رضا وصبر.. فلا حرمك الله مرافقة الأنبياء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.. أبا ماجد، حديث لأعظم الخلق (عليه الصلاة والسلام) يختصر كل ما في القلب والبال وهو ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (وما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه وولده وماله حتى يلقى الله وما عليه خطيئة) أخرجه الترمذي. محمد بن عبدالله احمد ناصر الموسى الزلفي في سيرة الشيخ محمد النويصر رحيل رجل في قامة معالي الأستاذ محمد بن نويصر يترك حسرة في النفس وجرحا لا يندمل، وفقداً عظيماً لا يوازيه إلا الدعاء له بالرحمة والمغفرة عند ربه سبحانه وتعالى. فمعالي الأستاذ بسيرته العطرة وذكراه الحية يظل مقيما في القلوب والنفوس، فهو إن رحل بشخصه الكريم سيظل باقيا بسيرته العطرة وأعماله الجليلة، وصنائع المعروف والمروءات التي كان يدخرها لمثل هذا اليوم، يوم القدوم إلى مولاه وخالقه. والحديث عن معاليه يحتاج إلى تفاصيل كثيرة لتعديد مناقبه ومآثره الكريمة، فهو ترك في كل مكان عمل فيه من هذا البلد الطيب، أثراً طيباً، وسيرة عطرة وذكراً خالداً. عاش المرحوم بدايات شبابه في عهد المغفور له الملك عبدالعزيز آل سعود ثم أصبح فيما بعد من كبار رجالات الملك فيصل بن عبدالعزيز ولهذا فالحديث عن معاليه يأخذ بصورة ما تأويلاً لسيرة هذا الوطن الذي قام على أكتاف أمثاله من كبار رجالات الدولة السعودية. فقد كان ابناً باراً بوطنه ودينه، تجلت الوطنية في سلوكه في أبسط معانيها وأعمقها، حيث عمل طوال حياته في صمت وتفان وإخلاص. فهو الرجل العصامي من الطراز الرفيع. عرف كيف يجل نفسه ويقدرها حق تقديرها ليستحق بذلك ثقة وتقدير ملوك هذه البلاد وعلى رأسهم الملوك: فيصل وخالد وفهد وعبدالله تتعدد مناقب الراحل الكبير في العديد من المجالات التي اشتغل فيها، وهي مجالات عكست صفاته القيادية والوطنية والأخلاقية والإنسانية، منذ بداية نشأته في مسقط رأسه بمركز خبراء القصيم حيث شهدت المنطقة بدايات الوعي وتفتح الإدراك. وبالرغم من المرحلة الدراسية المبكرة التي حصل عليها معاليه آنذاك، إلا أن مدرسته وجامعته الكبرى كانت هي الحياة، الحياة بكل ما فيها من تجارب وعبر ودروس، فهو بعصاميته المتميزة استطاع أن ينجز في حياته الكثير من المهام وأن يكون قدوة للمواطن الصالح الذي يعيش حياته في خدمة وطنه وأمته ومليكه دون أي ضجيج. كانت مناقبه تسبق سيرته، وسيرته تدل على سريرته. فقد تقلد معاليه العديد من المناصب الرفيعة في الحكومات الملكية المتعاقبة، عمل فيها بكفاءة وتفان وإيثار. فلم يكن المرحوم يرى في واجبه ما يستحق عليه شكرا ولهذا فإن نجاحاته الكبيرة في تلك المناصب التي تقلدها كانت ثمرة لحبه العظيم في العمل من أجل هذا الوطن. هناك رجال خلقوا من معادن نفيسة، وقل أن يجود الدهر بمثلهم، وأحسب أن معالي الأستاذ محمد بن نويصر أحد هؤلاء الرجال. طوال ستين عاما قضاها معاليه في خدمة الدولة السعودية منذ أيام الملك عبدالعزيز آل سعود، ظل يتقلب في محطات متعددة في مسيرة هذا الوطن وأدى واجباته عبر الكثير من المدن التي عمل فيها وخلف سيرة عطرة دلت على مكانته الرفيعة بين الناس. وهكذا شهدت مدن الرياض وحائل ومكة وجدة مراحل من سيرته في العمل الحكومي في العديد من المناصب التي تقلدها. وارفع المناصب التي تقلدها في حياته المديدة والحافلة بالعطاء والجهد في خدمة وطنه: منصب رئيس ديوان رئاسة مجلس الوزراء، ورئيس الديوان الملكي، هذا بالإضافة الى رئاسة العشرات من اللجان الحكومية التي كلف بها عبر التدرج الوظيفي الذي شهد نجاحاته المتعددة. ولقد كان رحمه الله يقدم خدماته للناس حتى لمن لا يعرفهم من المقيمين الذين كانوا يتوافدون على مسجده عقب صلاة الفجر في جدة طلباً لمساعدته الكريمة لكثرة ما سمعوا عنه من إسداء الجميل وصناعة المعروف لمن يعرف ومن لا يعرف. ومع كل هذا التاريخ الحافل من العطاء في مجال العمل الوطني والإنساني كان المرحوم إنساناً حميماً وحفياً بعائلته الكبيرة؛ يتواصل معها ويرعى شؤونها ويجتمع بها على نحو عميق من المودة، لاسيما في عائلته الكبيرة. يلتقي بالجميع من أبنائه وبناته وزوجاته وأصهاره وأقاربه وأصدقائه ولا يهمل - رغم مشاغله الوطنية الكثيرة - شيئاً من واجبه الأبوي والعائلي الحميم تجاه ذويه، ورعاية الصداقة تجاه أصدقائه والتواصل الودود مع جميع معارفه.. وبالجملة فإن حياة المرحوم لا تكفيها مثل هذه الكتابة السريعة والعاجلة بل هي حياة تستحق أن توثق في كتاب يحمل الكثير من سيرته العطرة لتكون نبراساً للأجيال وقدوة لأبناء هذا الوطن ونموذجاً فريداً في سجل الحياة الوطنية. وأتمنى التوفيق في تسجيل سيرته العطرة ضمن كتاب يحتفي به ويوثق لحياته الحافلة بالعطاء. فلم يكن معالي الأستاذ محمد بن نويصر إنساناً عابراً مر بهذا الوطن دون أثر، بل كان رجلاً في أمة، ولا يليق به إلا وصف الشاعر حين قال: قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات رحم الله معالي الشيخ محمد بن نويصر وجزاه الله عن دينه ووطنه وما قدم لأمته خير الجزاء. وعزاؤنا فيه للوطن ملكاً وحكومة وشعباً، ونسأل الله أن يلهم ذويه الصبر والسلوان. (إنا لله وإنا إليه راجعون). فراج العقلا