حتى في ظل وحدة الخيارات الدينية والثقافية، فإن تاريخ الشعوب وإرثها الاجتماعي، يفرض نفسه على صعيد صياغة الرؤية الخاصة بالمرأة. والتاريخ لا يمكن القفز عليه أو تجاهل معطياته، لأن في ذلك تعسفا وابتعادا عن المنطق.. يُمكن للمرء أن يجد كل يوم نصاً جديداً يتحدث عن المرأة وموقعها في المجتمع. وبالنسبة لنا في الشرق الأوسط، يُمكن للباحث أن يعثر على نصوص تعود إلى مطلع الفجر الإسلامي المجيد، وكل الحقب التي أعقبته، ولم تتوقف هذه النصوص حتى يومنا الحالي. هناك نوعان من الاهتمامات حكما غالبية الكتابات التي تناولت مسألة المرأة، يدور الأول حول حقوقها وواجباتها قياساً بالرجل، ويعنى الثاني بموقعها من العصر أو الحداثة. الاهتمام الأول، ذو طبيعة عامة، وهو قاسم مشترك بين كل نساء العالم، سواء من تقيم في روما أو أستانة. الاهتمام الثاني يكاد يكون قد انتهى في غالبية دول الغرب، لكنه مازال مستمراً في الشرق، على اختلاف مناطقه. إذا بدأنا بمقاربات الاهتمام الأخير، يُمكن ملاحظة أن المنظور الذي حكم رؤية الباحثين والمفكرين لعلاقة المرأة بالعصر قد كان في الغالب منظوراً أيديولوجياً. هذه القضية بدت بالغة التعقيد في العالم الإسلامي نتيجة الخلط العشوائي بين الدين والعرف، واعتبار الخروج عن الثاني خروجاً عن الأول. خارج العالم الإسلامي، في دول شرقية مثل الصينوالهند، تمكنت الأحزاب الكبرى من حسم الجدل الاجتماعي في هذا الشأن بالمواءمة بين التاريخ والعصر، بدت فيها المرأة وقد حدت من خسائرها. على صعيد "مساواة" الرجل والمرأة على مستوى الحقوق والواجبات، ليس ثمة رابح حتى الآن، على الرغم من كل ما قد يبدو للمرء لأول وهلة في بعض دول العالم. هناك حسابات الدين، وقيود الثقافة العامة، وثقل التاريخ، وتعقيدات الأمر الواقع على مستوى عالمي. إن "المساواة" بالمعنى الذي تطالب به الجمعيات النسائية العالمية لا وجود له في أي من دول العالم، بما في ذلك أكثرها "تحرراً" كالدول الاسكندنافية. ومنذ سنوات، وتحديداً مع مطلع الألفية الجديدة، برزت إلى السطح على نحو ملحوظ مصطلحات"الجندرية" و"المساواة الجندرية" و"التمييز الجندري". وهي تشير إلى التفاوت أو التمايز بين البشر على أساس الجنس. هذه المقولات لا اتفاق بشأنها. وهي تفهم برؤى متباينة، أو لنقل بزاوية متفاوتة، بين أمة واخرى، أو بين بلد وآخر. إنها تشير في هولندا إلى معنى غير ذلك القائم في اليونان، وبعيداً كثيراً عما هو معتمد في الهند، وهذا فضلاً عن دولة مثل تركيا. من ناحيتها، درجت المؤسسات الدولية على وضع قضايا المرأة كجزء رئيسي من مؤشرات التنمية البشرية. ويتأثر حصيلة مؤشر أي بلد أو منطقة بما يمنح للمرأة من نقاط من قبل الهيئات المعنية. وكما مفهوم الجندرة، كذلك مؤشرات قياس وضع المرأة، تبقى متأثرة بالتوجهات الايديولوجية المتباينة. وهذا أمر بديهي. في المحصلة، فإن المنظور العام للمرأة يبقى متعدداً بتعدد الحضارات، وهو يقاس بها، ويوزن في ضوئها. وليس من المنطقي الدعوة إلى توحيد هذا المنظور. وحتى في ظل وحدة الخيارات الدينية والثقافية، فإن تاريخ الشعوب وإرثها الاجتماعي، يفرض نفسه على صعيد صياغة الرؤية الخاصة بالمرأة. والتاريخ لا يمكن القفز عليه أو تجاهل معطياته، لأن في ذلك تعسفا وابتعادا عن المنطق. وبالنسبة لنا، نحن شعوب الشرق الأوسط الكبير، علينا الدخول في مصالحة واقعية بين التاريخ والعصر (أو الحداثة) دون تجاهل خصوصياتنا وبنيتنا الاجتماعية. وهذا أمر قابل للتحقق متى توفرت الإرادة للنخب الاجتماعية. في الوقت ذاته، ليس من الحكمة الاستغراق في السجال الإيديولوجي لأنه ضار بالوحدة الاجتماعية، وهو يفرق الناس بدلاً من أن يؤلفهم. علينا التركيز على القضايا الأكثر الحاحاً وأهمية بالنسبة للمرأة ودورها.