سطور المشاهير سيرة رجال ونساء وقفوا مخلصين خلف منجز بلادهم.. وتاريخ يروى لجيل اليوم حفاظاً على وحدة وطنهم واستقراره. ظلت الذاكرة الوطنية حُبلى بأسماء وألقاب عدد من أبناء هذا الوطن الذين غابت سيرهم وأعمالهم وإنجازاتهم عن أقلام الكتاب وعدسات التلفاز والمصورين، فمن بين الطبيب والمحامي والمعلم والقاضي والطيار والمهندس كان ثمة إنجازات ومآثر وبطولات، سجلها التاريخ لأولئك الرواد الذين اختلطت دماءهم بدموع أبنائهم، وحفظ لهم الزمان والمكان ما غاب عن إعلامنا وأقلامنا، والذين كان من بينهم -ولم يكن آخرهم- القائد الطيار الشاب سامي بن عبدالله حسنين الذي عشق وظيفته منذ نعومة أظفاره، وعمل جاهداً لتحقيق أحلامه وأمانيه في خدمة أهله وبلده ومجتمعه، والتي ما أن تحققت له، إلا وقدر الله وفاته في ميدان عمله، ووسط حلمه وأمله، حيث حادثة طائرة ال»ترايستار» التي مازالت تتراء أمام الذاكرة الاجتماعية، والتي احتفظت باسم القائد الطيار محمد بن علي الخويطر ومساعده سامي بن عبدالله حسنين في لوحة شرف الوطن والمواطن، التي استقبلت -في وفاتهم- قيادة بلادنا برقيات العزاء والمواساة من كافة أقطار العالم. عشق الطيران منذ صغره. وفي رحلة الخطوط السعودية «كراتشي - الرياض - جدة» كتب السطر الأخير لعشقه لم يأت التحاق سامي حسنين ببرنامج الخطوط الجوية العربية السعودية لتدريب الطيارين، مصادفة بل كانت رغبة جامحة في نفسه إذ كان يهوى الطيران منذ أن كان طفلاً وله مواقف وطرائف مع هوايته التي لم تفارقه حتى آخر ساعة من حياته، وبعد أن أنهى المرحلة الثانوية سافر لأميركا لدراسة الطيران، بعد أن التحق بمعهد علوم الطيران، ثم عاد لوطنه، بينما ظل حبه وعشقه لمهنته حتى وفاته.دراسة الطيران ولد القائد الطيار سامي بن عبدالله حسنين قرابة عام 1372ه ودرس المرحلة الابتدائية والمتوسطة في مدينة جدة, وبعد حصوله على الشهادة الثانوية التحق ببرنامج الخطوط الجوية العربية السعودية لتدريب الطيارين، ولم يأتي هذا الالتحاق مصادفة بل كانت رغبة جامحة في نفس ذلك الشاب الذي كان يهوى الطيران منذ أن كان طفلاً ، وله مواقف وطرائف مع هوايته التي لم تفارقه حتى آخر ساعة من حياته، وبعد أن أنهى دراسة المرحلة الثانوية سارع في السفر إلى أميركا لدراسة الطيران، بعد أن التحق بمعهد علوم الطيران واستمرّ في دراسته قرابة سبعة أشهر، ثم ما لبث أن عاد إلى المملكة هو وبعض زملائه في الدفعة بسبب عدم التواصل إلى تفاهم مشترك مع المعهد هناك، وبعودته إلى أرض المملكة التحق سامي مع شقيقه حامد في ميدان التجارة، ويذكر أنهما أثناء تجوالهما في إحدى الدول لإتمام بعض عمليات الاستيراد كان سامي يقوم باستئجار طائرات التدريب ليمارس هوايته المفضلة فيبدأ بالتحليق والطيران محققًا أمنيته التي طالما كان يحلم بها، ويذكر أنه وهو في السادسة عشر من عمره كان يعرب عن عشقه لهذه الهواية ويتحدث عنها كثيرًا، وفي إحدى المرات حصل على قبعة طيارٍ ملقاةٍ في الطريق، فقام بغسلها وذهب إلى محل التصوير؛ ليأخذ صورةً تذكاريةً، ظلت هذه الصورة دليلاً وشاهداً على حب وعشق سامي لمهنته حتى أنها كانت بعد وفاته عنواناً بارزاً لعدد من الصحف والمجلات السعودية والعالمية. الأمنية والمنية ظلت الأماني تتراقص أمام عيني الشاب سامي وذات يوم وهو عائد من إحدى رحلاته بصحبة شقيقه حامد تذكر كيف أن قطار الوظيفة التي لطالما حلم بها قد تجاوزه، وهو حينها مازال ينتظر طلب الخطوط السعودية عودته هو وبعض زملائه الذين عادوا من الولاياتالمتحدة، وأثناء الطريق شجعه شقيقه حامد على العودة لدراسة الطيران ولو على حسابهما الخاص وكان يقول له: انظر إلى زملائك من الملاحين والطيارين السعوديين، *ألم يكن من الأفضل أن تكون معهم؟- كان حامد بمثابة الأب لأشقائه الذين يتوسطهم الشاب سامي، ولأن الطيران كان هو الطموح الذي لطالما حلم به سامي فقد وافق على اقتراح شقيقه حامد وسارع الاثنان في السعي لتأمين مصاريف الدراسة والسفر، وبينما كان العمل دؤوباً لعودة سامي لدراسة علوم الطيران وتأمين مصاريف الرحلة، وردهم خطابٌ من الخطوط الجوية العربية السعودية، يطلب من سامي العودة لإكمال دراسته مع جميع زملائه الذين عادوا من نفس الدورة، ولك حينها أن تتخيل فرحة سامي وعائلته بهذا الخبر لاسيما أنه لم يبقَ على إتمام دراسته أكثر من 16 ساعةً ليصبح مساعد طيار. الترايستار عاد الطيار سامي في أواخر التسعينات الهجرية «السبعينات الميلادية» إلى الولاياتالمتحدة وأكمل دراسته هناك ثم ما لبث –رحمه الله- أن عاد في عام 1400ه، وقد حصل على رتبة مساعد طيار، بدأ سامي عمله على طائرة (737) ثم انتُدب إلى بريطانيا للتدريب على طائرة ال» تراسيتار» أميركية الصنع، والتي كانت تعيش آنذاك أوج انتشارها، وقد اشترت الخطوط السعودية آنذاك أكثر من عشر طائرات من هذا النوع ذو الثلاثة محركات النفاثة والتي مازال الطيارون القدماء في زمننا هذا يتباهون لكونهم من ذلك الجيل الذي أدرك التحول من قيادة الطائرات المروحية إلى الطيارات ذات المحرك النفاث وكذا التحول الذي فرضته أنظمة ومنظمات الطيران العالمية بضرورة التحول إلى ثلاثة محركات بدلاً من محركين وكل هذا كان في الستينات الميلادية التي شهدت أواخرها ولادة طائرة ال»ترايستار» المصنعة من شركة «لوكهيد» الأميركية. مساعد طيار في اليوم الخامس من شهر شوال عام 1400ه أصبح سامي بن عبدالله حسنين مساعد طيار على طائرات «ترايستار» بعد أن أنهى تدريباته في الخارج والداخل، وكان من المزمع أن يصبح بعد بضعة أشهر قائدًا ل»تراسيتار»؛ لذلك كان حريصًا على أن ينهي عدد ساعات الطيران المطلوبة منه، وكان بعض محبيه وأقاربه يتذمرون من مشقة عمله وخطورته، لاسيما وأنه لا يكاد يجد وقتاً ينهي فيه التزاماته الأسرية والعائلية أو حتى يلتقي ببعض أصحابه وزملائه، ولذا كان يردد عليهم إن هم حاولوا صرفه عن الانخراط بوظيفته التي طالما حلم بها أو طالبوه بالعودة لممارسة التجارة والأعمال الحرة بقوله: إن التجارة خدمةٌ خاصة، لا أستطيع من خلالها خدمة الآخرين، وكم تمنيت - منذ صغري - أن يكون عملي في مرفقٍ عامٍّ؛ حتى تكون خدمتي عامةً. أسرته لم تكن الغربة ودراسة الطيران والعمل في التجارة ثم العودة لدراسة الطيران لتمنع الشاب سامي من الحرص على الزواج في مقتبل العمر، حيث سعى لأن يحسم أمر زواجه أثناء دراسته للطيران وهو ما ساعده في ترتيب أولوياته، وكانت زوجته سنداً ومساعداً له في أداء عمله والتركيز على دراسته لا سيما وأن وظيفة الطيار تحتاج إلى عمل دؤوب وتدريب مستمر وتنقل بين بلدان العالم، وهكذا كانت حياة الشاب سامي حديث التخرج إذ كانت زوجته «أم خالد» ترافقه في بعض رحلاته، وتسهر لسهره وتعمل على راحته ونجاحه، وكانت رغم تخوفها من طبيعة عمله تحاول قدر استطاعتها التأقلم مع وضعه في الحل والترحال وتطمئن نفسها -إن هي أرادت أو لم ترد- بأن السفر في الجو ربما هو أقل خطورة من السفر في البر وكان –رحمه الله- يشعر بتخوفها ويطمئنها بقوله: « مادمنا نعمل تحت شعار عبارة التوحيد فلا تخافي ياعزيزتي»، وفعلاً كانت قمرة القيادة في طائرات الترايستار السعودية تقبع تحت العلم السعودي الذي يزدان بعبارة التوحيد. وكان عمر سامي حين توفي ثمان وعشرون عاماً، وكان قد تزوج قبل وفاته بأربع سنواتٍ، ولديه من الأبناء خالد وخلود التي أكملت في يوم وفاته عامها الأول، وكان حين عودته من الرحلة التي توفي فيها بصدد الاحتفال بيوم ميلادها، حيث أخبر زوجته أنه سيحضِر هدايا لها من مدينة كراتشي المحطة الأخيرة التي كان من المزمع أن تعود إلى جدة مروراً بالرياض، ويذكر أشقاؤه أن عيد الفطر الذي سبق وفاته بثمانية أيامٍ كان أول عيدٍ يقضيه مع أسرته، وقد طلبت منه زوجته أن ينهي معهم أيام العيد الأربعة، وأن يستريح من الطيران قليلًا، لكنه أصرّ على أن يلازم عمله، وقال لها: «إن السعادة في أن يقضي مئات الناس أعيادهم مع أهاليهم نتيجة أداء واجبي في هذا الوقت بالذات»، فسافر إلى القاهرة ثم كانت رحلته الأخيرة إلى كراتشي ولم يعد منها. رحلة كراتشي لم تكن الرحلة المتجهة من جدة إلى كراتشي هي رحلته، ويقول شقيقه حامد: لم يكن اسمه مسجلاً ضمن طاقم رحلة كراتشي، لكن وافق تواجده في المطار -بمعية ابنه خالد للسؤال عن بريده- تغيّب مساعد قائد الرحلة المتجهة إلى باكستان، هناك تفاهم مع المسؤولين في المطار وأبدى استعداده للقيام بهذه الرحلة التي وافق سامي -رحمه الله- أن يتسلمها تقديراً منه لظروف زميله، هنا استأذن زملاءه في مطار جدة ليعود إلى منزله ويستبدل ملابسه ويعيد ابنه ذي الثلاثة أعوام وحين استغرب أهله خروجه رغم أن اسمه لم يكن ضمن جدول الرحلات في ذلك اليوم قال: لكن عملنا أبو المفاجآت، ومن مطار جدة الدولي القديم استلم سامي رحلته الأخيرة كمساعد للقائد محمد بن علي الخويطر رحمهما الله. ويوصف سامي بأنه كان شاباً مرحاً ومحبوباً بين أهله وزملائه بالعمل وكان –رحمه الله- مرحًا وصاحب نكتةٍ وذكاء، ويصفه شقيقه حامد أنه كان عنيداً في سبيل تحقيق أمانيه وكان متميزًا في دراسته، لكن طموحه المبكر أن يصبح طيارًا غلب على جميع الخيارات المتاحة أمامه، ولذا كان حديثه الدائم منذ مراحل حياته الأولى عن أنواع الطائرات وسرعتها وخصائصها. ويضيف شقيقه حامد قائلاً: كنا نشعر أنه كانا مهووساً في عالم الطيران وكنت ألمس في عينيه كل السعادة وهو يغادر المنزل أو يعود، ولكننا كنّا وإخوته الآخرين نشعر بالاعتزاز بمطامحه ونفخر به، ونحسّ بأنه أنموذجٌ صادقٌ في حبّه لعمله وتفانيه في خدمة بلده، وكان –رحمه الله- على درجةٍ نغبطه عليها بالتزامه بأمور الدين، حتى أن أصدقاءه في المركز الإسلامي بالولاياتالمتحدة الأميركية كانوا يعرفون توجهاته والتزامه وحرصه على أداء واجباته الدينية، ولذا كان قريباً من الجميع، لاسيما زملاءه الطيارين عبدالإله غلام، وطارق يوسف عابد، وعصمت عمر زهران، وهم في نفس الوقت زملاءه في الدراسة والعمل والحياة. وفاته في يوم الثلاثاء الثامن من شهر شوال عام 1400ه عادت رحلة الخطوط الجوية العربية السعودية من مطار جناح بمدينة كراتشيالباكستانية، لتهبط في مطار الرياض الدولي «القديم» قرابة الساعة السابعة مساءً وبعد ساعتين تواصل رحلة السعودية رقم (163) طريقها نحو محطتها الأخيرة حيث مطار جدة الدولي، لكنها سرعان ما عادت أدراجها صوب مطار الرياض وسط أنباء مرعبة مفادها أن ناراً اشتعلت في مخزن الأمتعة لتهبط الطائرة في مطار الرياض وتحترق في الجهة الشمالية الشرقية من المطار بعد أن توفي جميع ركابها إثر إمتلاء مقصورة الركاب بالغازات السامة مع توقف الطائرة التي بذلت قيادتها أروع صور التفاني والإيثار لإنقاذ الركاب وسط اجتهادات لم يحالفها التوفيق لتسجل الذاكرة الوطنية والمجتمعية اسم الشاب سامي حسنين مع زميله القائد محمد الخويطر، في سجل الشرف المهني والريادي كرائدين من رواد الطيران المدني في بلادنا رحمهما الله رحمة واسعة. الفرق الميدانية تؤدي مهامها بعد انتشال جثث الضحايا قصاصة لإحدى التغطيات الصحفية للحادثة تقرير صحفي عن الفقيد بعد حادثة الترايستار الشهيرة الطائرة المنكوبة عام 1400 على أرض المطار وقد قضت النيران عليها الحادثة كانت من أكبر الكوارث في تاريخ الطيران منصور العساف