في موت الشاعر حياة نَصٍ جميل، هذا ما يؤكده الحضور القوي لبعض النصوص الرائعة في مناسبات معينة، كما هو الحال مع نص الأديب المبدع عبدالله ثابت عن "موت الشاعر"، فقد حضر هذا النص في وفاة الشاعر المبدع مساعد الرشيدي (1382-1438ه) –رحمه الله- الذي رحل عن دنيانا قبل أيام، ويحضر نص ثابت بقوة بعد رحيل أي شاعر نحب إبداعه ونرى في تجربته تميزاً واختلافاً عن السائد، وأعتقد أن سبب زيادة تداول هذا النص هو حجم الصدق فيه وقدرته الفائقة على ملامسة الحقيقة وملامسة مشاعر المتلقين. يقول ثابت في جزء من نصه الرائع: "إذا مات شاعرٌ في مكان ما من هذا الوجود ماتت في مكان آخر شجرة، وتساقطت أوراقها قبل الفجر. إذا مات شاعرٌ انطفأت نجمةٌ، وتخاصم حبيبان، وضاع خاتمٌ، وأصبحت الدنيا أقل... إذا مات شاعرٌ أُوصدت نافذة، وبكت خلفها الفتاة والسقف والوسادة، وإذا مات شاعرٌ تنسى القهوةُ المواعيد، ويعتذر الطلّ من الزهرة، ولا يلتفت الصبح إلى وجه الحمامة... إذا مات شاعرٌ غصّ بنغماته الناي، ويرجع الشتاء أشد كآبة". بالتأكيد إن غياب الشاعر مساعد الرشيدي وأمثاله من الشعراء المبدعين يترك حزناً وفراغاً كبيراً، فالمبدع يستطيع أن يُعبر عن الأشياء التي نعجز عن قولها بطريقة جديدة وجميلة ومؤثرة، خلافاً للشاعر العادي الذي يُكرر ما قيل ويتساوى لدينا بقاؤه مع رحيله، وقد صدق الدكتور سعد الصويان حين كتب في مقدمة ديوان (سيف العشق): "حينما يقول مساعد الرشيدي قصيدة فإنّه لا يتلفّظ بكلمات، إنّه يقطف نجوم السماء ويطلقها عصافير ملونة ترفرف أجنحتها الجميلة في حديقة الشعر وتحلق في فضاء الإبداع الفسيح". أبدع مساعد الرشيدي الكثير من القصائد والأبيات التي لا يستطيع الشعراء إخفاء إعجابهم بها، وتمني لو أنها كانت لهم، وقد تمنّى كثير من الشعراء بيته الرائع في الوطن: وطن: يسعد مساك.. الشمس ما غابت تبي فرقاك تعدّت للمغيب تعلّمه عن طيب مشرقها كما أبدع الكثير من القصائد التي تُنافس بعضها في الجمال والعذوبة، ابتداءً من قصيدة (جيتك بقايا حي) ومروراً بقصائد رائعة مثل: (الكنّه) و(سيف العشق) و(عين تشربك شوف) و(مشاوير الطريق) و(صوتك اللي بقالي)، والعديد من القصائد التي تضمنها ديوانه الأول (سيف العشق) أو الثاني (حبات رمان على ثلج). موت شاعر مبدع كمساعد يعني غياب جزء كبير من الجمال والدهشة، وغياب نصوص رائعة متوقعة كان لها أن تُحرض الشعراء على مجاراتها ومحاولة تقليدها أو كتابة ما يُمكن أن يتفوّق عليها. أخيراً يقول مساعد الرشيدي رحمه الله: وين أنت ما كن بوطن شوفي بلدك وما كن صدري بالتباريح امتلا دوّرك مفجوع الضلوع ولا وجدك ولا جاز عنك ولا استخار ولا سلا وعذري لعيني كل ما اتلفها سهدك عينٍ لها خلان ما فيها بلا