تقوم وزارة الشؤون البلدية والقروية بمهام وأدوار كبيرة ومتنوعة ما بين صحة البيئة وإنشاء الحدائق والمتنزهات ومراقبة الأسواق وتصاريح البناء وافتتاح المتاجر وتخطيط الأراضي والمساحة وإدارة المجالس البلدية ونحوها من البرامج والمشاريع العملاقة. والمتأمل في أدوار كافة مؤسسات الدولة المعاصرة - وبالأخص البلديات - يجد تقاطعا كبيرا بينها بين أدوار الوقف في تاريخ الحضارة الإسلامية على مر العصور، حيث بقيت شعيرة الوقف الإسلامي شامخة ملبية لجلّ هذه الأدوار ولكافة الاحتياجات البشرية والإنسانية مؤكدة كمال الدين الإسلامي ومواكبته لكل زمان ومكان كما قال الله - تعالى - :(اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا.) [المائدة: 3] . اضطلع الوقف في عصور الإسلام الأولى بمهام وأدوار كبيرة بدءاً من المسجد إلى دُور التعليم ثم إلى السوق والمشفى والمتنزه والشارع وطريق السفر، وغيرها من ميادين الحياة اليومية، حيث كان الوقف حاضرا وبقوة في كل هذه المواقع وملبيا جميع الاحتياجات على مستوى الدولة وعلى مستوى الأفراد، ونقتصر هنا على سرد بعض أدوار الوقف التي تتقاطع مع الشؤون البلدية ومنها: تعبيد الطرق ورصف الأرصفة والعناية بها، ومن أرقِّ ما وُجِدَ في تاريخ الإسلام وألطفه ما تحدث عنه ابن بطوطة - رحمه الله - في رحلته بإعجاب وانبهار، فقال: "والأوقاف بدمشق لا تحصر أنواعها ومصارفها لكثرتها" ثم سرد جملة من الصور والأمثلة عليها، ثم قال: "ومنها أوقاف لأبناء السبيل (المسافرين) يُعطون منها ما يأكلون ويلبسون ويتزودون إلى أن يصلوا إلى بلادهم، ومنها أوقاف على تعديل الطرق ورصفها لأن أزقةَ دمشقَ لِكُلِ واحدٍ منها رصيفان في جنبيه يمرّ عليهما المترجّلون، ويمر الرُكبان بين ذلك، ومنها أوقاف لسوى ذلك من أفعال الخير" (1). ومنها تذليل سبل المسافرين وتوفير المساكن لهم في طرق السفر وتأمين سبيلهم، وتحكي لنا كتب التاريخ ما أوقفته المحسنة «أم قاسم المُرادية» في المغرب حيث أوقفت ثروتها لبناء محطات التزود بالزاد والماء والاستراحة للحجيج ولدوابهم، حيث وجد أنه في كل بلد من مدينة «آسفي» بالمغرب إلى مكةالمكرمة دار من طابقين، طابق لاستراحة الحجاج وتزويدهم بالأكل والدواء، وطابق للدواب لأكلها واستراحتها ودوائها، كما يتم استبدال الدواب وتعويض ما مات منها عن طريق الأوقاف، واستمرت آثار هذه (المحطات) إلى عهد قريب(2). وهكذا فإن صور الأوقاف الموافقة لحاجات المجتمع تتعدد في تاريخ الحضارة الإسلامية ولعلنا نتناول في الجزء الآخر شيئا من هذه الصور وما يؤمل أن تقوم به البلديات في هذا الشأن، والله الموفق.