خلف علماء المسلمون كابن خلدون والفارابي وغيرهما من علماء إرثنا الإسلامي الزاخر, ألوان العلم بشتى مجالاته, إرث ثري ومليء بمقومات الفهم الإنساني, وذكرنا لهم الآن ليس لأنهم علماء عاديون فحسب بل لأنهم في معظم دراساتهم استندوا على قواعد إيمانية صلبة سماوية تتكفل بقضايانا الإنسانية وتوفر إنتاج أصناف من البدائل الدنيوية التي تكفل العيش براحة وطمأنينة وتساعد في فهم القوانين والسنن الكونية, وقواعد الدين الاسلامي الثري زادت مقومات تلك الدلائل والبراهين لديهم, فجعلتهم بحق يسودون العالم بعلمهم وإثرائهم, وقد اعترف الغرب بقوتهم العلمية وطرقهم الابداعية في رسم قارعة الطريق وجادة العلم لكل الدنيا, ونحن نعرف أنه لؤم نوايا ملفوف باعتراف منمق, يؤصل حقدهم وغيرتهم من إرثنا الإسلامي المبني على القواعد الدينية التي لا تحيد عن الصواب. وإن جاز لنا التمثيل الأدبي, أن علماءنا المسلمين تركوا لنا إرثاً علمياً أشبه ببستان جميل تملؤه الزهور والاشجار الوارفة الظلال, وحسبنا علم الاجتماع من ضمن تلك الأشجار, أشبه بشجرة ضاربة بجذورها في ذلك البستان, كتركة ثرية تركها الآباء لأبنائهم, ولكن واجه الأبناء بعض الظروف المكانية والزمانية أرغمتهم إلى أن يهملوا سقاية ورعاية ذلك البستان, مما جعل أكثر الأشجار مدعاة للضرر, ومنها تلك الشجرة الكبيرة الوارفة الظلال وحسبي بها علم الاجتماع, فاستغل الآخرين الاهتمام بتلك الشجرة فأثمرت علم كبير وهو علم الاجتماع, وطيب الثمرة يعود إلى أصلها. وبالعودة إلى الأصول بكل فخر وبلا منازع فابن خلدون هو المؤسّس الحقيقي لعلم الاجتماع وهو أول من وضع الأسس العلمية له, وهو من تحدث بشكل مسهب عن علم الاجتماع البدوي والحضري وتحدث عن العشائر والعصبية وكذلك الاقتصاد والتربية وبكل مناحي هذا العلم الثري, وقد حاول علماء الغرب تنميط وتحوير آرائه وأفكاره لتأسيس علم الاجتماع بمفهومه الحديث. وعلم الاجتماع بنظرياته وفروضه وطرق ومناهج دراسته, يعتريه العديد من العقبات التي تعترض الغيورين لإرجاعه إلى دائرة العلم الإسلامي كإرث وحق وليس لأوروبا والغرب إلا ما وضعوه كدراسات له.