تشكل ضوابط اللوائح والتنظيمات داخل الجهاز الحكومي أهمية بالغة في تعزيز الشفافية في التعامل مع المواطنين وفصل الصلاحيات التشريعية عن الجهات التنفيذية وتفعيل الرقابة الى جانب معالجة الفجوة بين التعاميم والبلاغات وتنظيمات الجهات التنظيمية والتأسيس لمبدأ جديد في التوعية بالحقوق. وتعكف لجنة الإدارة والموارد البشرية بمجلس الشورى على دراسة نظام إصدار اللوائح والتنظيمات الخاصة وما في حكمها المقدم من عضو المجلس نايف الفهادي استناداً للمادة (23) من نظام المجلس، وذلك بعد أن صوت المجلس بالموافقة على ملاءمة دراسته، إذ يكتسب المشروع أهميته من منطلق أنه وبحسب الوضع الحالي فإنه يجوز للأجهزة التنفيذية إصدار اللوائح والتنظيمات وما في حكمها، دون ضوابط تنظيمية واضحة، وهو الخلل الذي يطرح مقترح المشروع معالجته. وخلافاً للأنظمة التي تصدر بموجب أمر ملكي أو مرسوم ملكي أو أمر سامٍ، فإن هناك ما تصدره الإدارات التابعة للأجهزة الحكومية من تعليمات وتعاميم ولوائح تنظيمية، ولوائح تنفيذية، وقرارات وزارية تنظيمية، وتعاميم فنية وغير فنية، وخطابات تعميمية، وضوابط، وتعليمات، وغيرها، دون أن تمر بآلية تشريعية واضحة رغم أنها جميعاً تلزم المواطن أو المستفيد بالتنفيذ. ففي حين يصدر النظام بموجب مرسوم ملكي، وتصدر اللوائح التنظيمية العامة والتنظيمات العامة بآلية مشابهة، تصدر اللائحة التنفيذية بقرار وزاري ولا تعرض أو تراجع من قبل السلطة التنظيمية أو التشريعية، كما تصدر القرارات الداخلية والتعاميم الفنية والخطابات التعميمية وغيرها من الإدارات التابعة للجهاز التنفيذي أحيانا بدون مراجعة تضمن توافقها مع ما يعلوها من اللوائح أو الأنظمة. وفي الوقت الذي يراجع النظام من السلطة التنظيمية (مجلسي الوزراء والشورى)، تعد وتصدر الأجهزة التنفيذية بقية التنظيمات الأخرى دون عرضها على السلطة التنظيمية، كما أنه في الوقت الذي تتطلب الأنظمة والتنظيمات العامة واللوائح التنظيمية والتنفيذية نشرها في الجريدة الرسمية لتدخل حيز التنفيذ، لا يتطلب السريان ما عداها أن تنشر في الجريدة الرسمية.. كل ذلك يطرح إشكالية إن هناك من اللوائح التنفيذية، ما تحتوي بنودها على قواعد وأحكام قانونية مهمة تمس المصلحة العامة، ومن الأهمية مراجعتها من السلطة التنظيمية ليتسنى معرفة آثارها وحجمها مقارنة بالنظام وعدم مخالفتها له، وأن قيام الجهة التنفيذية بإصدار قرارات وتعاميم داخلية لمعالجة حالات لم يتطرق لها النظام المعني ولائحته التنفيذية، مع تطبيق بعضها بأثر فوري، ودون نشرها في الجريدة الرسمية، يثير التساؤل حول سلامتها. تشريع اللوائح والتنظيمات وأكد د. فهد العنزي -عضو مجلس الشورى عميد كلية الأنظمة والعلوم السياسية بجامعة الملك سعود السابق-، أنه يؤسس لوضع المبادئ والمعايير الأساسية لإصدار اللوائح والتنظيمات التنفيذية الصادرة من الأجهزة العامة، وضوابطها وكيفية إصدارها والمبادئ التي تحكم ذلك، بما يرتقي بصناعة تشريع اللوائح والتنظيمات، ويجعلها تتناسب مع مستوى إصدار الانظمة وبطرق مهنية ومعايير صياغة مناسبة لها، ويضمن إصدارها بشكل أجود ومتقن، مؤكداً أن المقترح يعزز مبدأ الشفافية والوضوح لدى الأجهزة العامة في تعاملها مع المستفيدين من خدماتها. وأضاف: أن الحاجة ماسة في الوقت الراهن لوجود مشروع النظام المقترح، موضحاً أن بعض اللوائح التنفيذية التي صدرت من الأجهزة العامة تأتي غير متقنة وبشكل لا يتسق في بعض المرات مع النظام، وقد يخالف بعضها نصوص النظام، مرجعاً ذلك إلى أن من يقوم بإعداد تلك اللوائح ليس لديه الخبرة الكاملة في فهم الانظمة التشريعية ومرادها وغاياتها، وأن بعض اللوائح تتضمن حكماً غير موجود في النظام أو تأتي بنصوص لأحكام سكت عنها النظام لأسباب معينة، مما قد يجعل اللائحة مخالفة للنظام وللغايات التي صدر من أجلها، وبذلك قد تؤدي لتعطيل العمل بالنظام. وأشار إلى أن آلية إصدار الانظمة المعمول بها في المملكة والتي صدرت من قبل مجلس الوزراء، وضعت عدداً من الضوابط المتعلقة بإعداد الانظمة واللوائح، وتفوض بشكل عام الجهة التنفيذية بإصدار اللوائح بعد موافقة مجلس الوزراء على النظام المتعلقة به، داعياً الجهات التنفيذية إلى الحرص على أن تكون اللوائح بمستوى يليق بالأنظمة التي تصدر من أجلها. وشدد د. العنزي على أن اللوائح تكمن أهميتها في كونها تأتي لتفصيل مواد النظام وتفسيرها، والتي تكون في الغالب مجملة، مشيراً إلى أن اللوائح لا يجوز لها أن تتجاوز النظام أو تخالفه، أو تأتي بحكم غير موجود في النظام، وتبقى مهمتها تفصيل مواد النظام، ووضعها موضع التنفيذ، كما تختص بها الجهة التنفيذية لما لها من دراية وخبره في اعمالها التنفيذية. ضبط العملية التشريعية من جهته شدد محمد الجذلاني- قاضي سابق بديوان المظالم ومحامي-، على أهمية مشروع نظام إصدار اللوائح والتنظيمات الخاصة، وتطبيقه وتفعليه، لافتاً إلى وجود خلل تشريعي في منح الجهات التنفيذية الحق في إصدار اللوائح والتعاميم الخاصة دون وجود جهات رقابية تتأكد من عدم مخالفتها للأنظمة والقوانين الاعلى منها ومن إتساقها مع الانظمة العامة التي صدرت من مجلس الوزراء. وأضاف: أن أهمية المقترح تنطلق من عدة اعتبارات أهمها عدم وجود مرجع قضائي يقوم بحماية مشروعية الانظمة وتوافقها مع اللوائح والتعاميم التي تصدر لشرح وتفسير تلك الأنظمة وعدم مخالفتها أو استحداث أحكام جديدة لم يشر لها النظام، مضيفاً أن الاعتبار الآخر هو أن القضاء الإداري في ديوان المظالم لا يعتبر قوياً، بحيث أنه يحكم في بعض الدعاوى القضائية بعدم مشروعية تطبيق مواد ويحكم لصالح المدعي الفرد، ولا يستطيع توجيه الجهة الحكومية بتعديل تلك المادة التي لا تزال تطبق على أفراد أو جهات أخرى بسبب أنها لم ترفع دعوى أمام الديوان. نقص تشريعي! من جهته اعتبر الشيخ عازب آل مسبل- عضو مجلس الشورى السابق - المشروع من أهم مشاريع الانظمة التي قدمت في مجلس الشورى من خلال المادة 23، وقال ان مشروع النظام في مجمله يغطي نقصاً تشريعياً بين الانظمة واللوائح والتنظيمات التنفيذية الصادرة من بعض الأجهزة العامة، والتي تصدر لتفسير وشرح الأنظمة العامة، مضيفاً أن النظام المقترح يعالج الفجوة التي تحدث أحياناً بين التعاميم والبلاغات والتنظيمات التي تصدرها الجهات التنظيمية ومدى علاقتها بالأنظمة الأعلى منها وتوافقها معها أو تعارضها. وأكد آل مسبل أن للنظام إيجابيات عديدة وستظهر أمام جميع المستفيدين منه، كما انها ستعمل على جعل الأنظمة واللوائح والتنظيمات التنفيذية وما في حكمها، مكملة لبعضها البعض ومتسقة متكاملة ولا يوجد فيها أي خلل تشريعي، لافتاً النظر إلى أن بعض رؤساء الجهات التنفيذية تصدر عنهم تعاميم وتنظيمات خاصة للجهات المرتبطة بهم من أجل معالجة ظاهرة أو مشكلة، وقد يغيب عنهم أن هذه المشكلة تمت معالجتها من قبل النظام الذي يكون أعلى منها، مما يتسبب في إيجاد حالة اضطراب بين النظام والاجراء الأخير. وأضاف أن النظام المقترح يعيد ترتيب العلاقة بين النظام العام واللوائح والتنظيمات التنفيذية التي تصدرها الأجهزة العامة، بشكل أكثر مهنية وجودة، بحيث أنه لا يصدر أي تعميم أو تنظيم إلا بعد دراسته بشكل مستفيض من قبل اللجنة المشكلة بموجب المقترح في الجهة الحكومية، والتأكد من اتفاقه مع الأنظمة الأعلى منه. وأشار آل مسبل إلى أن النظام سيعزز من مفهوم الشفافية في تعاملات الجهات الحكومية مع المستفيدين من خدماتها من مواطنين ومقيمين وقطاع خاص، عبر نشر اللوائح والتنظيمات التنفيذية في المواقع الإلكترونية لها، وإتاحتها للاطلاع أمام المستفيدين، ومعرفة ما لهم وما عليهم من خلال تلك التنظيمات. تعزيز الشفافية من ناحيته قال أنس السويلم - مستشار قانوني-إن مشروع نظام اصدار اللوائح والتنظيمات الخاصة ومافي حكمها، مشروع طال انتظاره، مؤكداً أنه يعالج نواحي ذات أهمية بالغة لم تنظم سابقا، ويؤسس لمبادئ تنظيمية لم تكن موجودة، وهو بحق أحد أهم الأسس الجديدة لمفهوم اصدار اللوائح والتنظيمات الخاصة في المملكة. واعتبر أن مشروع النظام تضمن مواد ستنشئ مبدأ جديداً في الشفافية وابلاغ المخاطبين باللوائح والتنظيمات الخاصة ومافي حكمها، تتمثل في إلزام الجهات الحكومية بنشر ما تصدره من تنظيمات بما في ذلك القرارات والقواعد والضوابط والتعاميم التنظيمية وخلافه مما يندرج ضمن نشاطها الخدمي، فضلاً عن الالزام بنشر كافة ما أصدرته سابقاً، مضيفاً أن المقترح يضمن علم المخاطبين بالتنظيمات التي تصدر وتسري عليهم، وفي ذات الوقت ينفي الجهالة بها، كما أتاح مشروع النظام فترة من الوقت بعد النشر لحين دخول التنظيمات الخاصة حيز التنفيذ، بحيث يتيح للمخاطبين الوقت الكافي للعلم بها. وزاد أن المقترح أوجد آلية جديدة لمراجعة واعتماد اللوائح والتنظيمات الخاصة ومافي حكمها، سواء من خلال لجنة مجلس الشورى التي ستكون مختصة بمراجعة واعتماد اللوائح التنفيذية والتنظيمية، وبذلك ترتقي صياغة تلك اللوائح لمستوى أعلى وترسخ لسلطات مجلس الشورى باعتباره أحد جناحي السلطة التنظيمية، أو من خلال تلك اللجان التنظيمية التي ستشكل في الجهات الحكومية وتقوم بمهام مراجعة وتدقيق التنظيمات الخاصة ومافي حكمها قبل إصدارها، والتي سيكون لها دور بالغ الأهمية في التأكد من محتوى ونظامية تلك التنظيمات قبل إصدارها، تحقيقاً للصالح العام. مشاركة المجتمع ولفت السويلم إلى أن مشروع النظام استحدث آلية للتظلم ضد اللوائح والتنظيمات الخاصة، وبالتالي سيساهم وبشكل كبير في مشاركة المجتمع في تصحيح تلك اللوائح والتنظيمات من خلال تمكين التظلم ضدها أمام ديوان المظالم، الأمر الذي نعتقد بأهميته الخاصة في ترسيخ مبدأ عدم جواز مخالفة القانون الأدنى للقانون الأعلى، وهو مبدأ متبع عرفاً، لكنه لم ينص عليه صراحة على حد علمنا. وأشاد السويلم بما تضمنه المقترح من تعريف بما تصدره الجهات الحكومية من لوائح بنوعيها التنفيذي والتنظيمي، وتنظيمات خاصة ومافي حكمها، إذ لم تكن معرفة بصورة واضحة، مؤكداً أن ذلك سيساهم في توعية المجتمع بمفهوم تلك اللوائح والتنظيمات، فضلا عن كونه مادة علمية مهمة للدارسين في كليات القانون، مؤكداً بأن مشروع النظام، يمثل بصورة عامة نموذجاً للسياسات والإجراءات لتنظيم اللوائح والتنظيمات التي تصدرها الجهات الحكومية، ويمثل الأمل بأن يكون بداية لإصدار نماذج مشابهة لأنشطة حكومية أخرى، مثل نشاط سير المعاملات في الجهات الحكومية والنشاطات المنبثقة عن نظام ولوائح الخدمة المدنية وغيرها. التوازن بين السلطات من جهته اعتبر هشام الخزيم - محامي - أن المقترح يؤسس لمشاركة المواطن وكل ذي مصلحة في الرقابة على ما تصدره الأجهزة الحكومية من لوائح وتنظيمات خاصة، موضحاً أنه بعد أن تصدر اللائحة التنفيذية أو التنظيمية أو التنظيمات الخاصة من الجهاز الحكومي سيحق لكل ذي مصلحة التظلم أمام ديوان المظالم ضد أي لائحة أو تنظيمات خاصة أصدرها أي جهاز حكومي خلال مدة معينة من تاريخ نفاذها، وهذا يعزز جودة اللوائح والتنظيمات الخاصة الصادرة؛ إذ إن المخاطبين وعملاء ذلك الجهاز الحكومي في الغالب لديهم تصور جيد من خلال الممارسة عما إذا كانت هذه اللائحة أو التنظيمات الخاصة تخالف نظاماً آخر أو تضر بمصلحة معتبرة حمتها الشريعة أو الأنظمة أو لم تصدر بالكيفية التي حددها النظام، مشدداً على أن ما جاء به المقترح فيما يتعلق بإصدار اللوائح التنفيذية والتنظيمية سيحدث نوعاً من التوازن بين السلطات الثلاث، خلافاً لما يعمل به حاليا. فصل الصلاحيات التشريعية عن جهات التنفيذ..! طالب محمد الجذلاني بضرورة ضبط العملية التشريعية وفصل الصلاحيات التشريعية عن الجهات التنفيذية، وتفعيل الرقابة التشريعية على التنظيمات والتعاميم الخاصة الصادرة من قبلها، واحترام الأنظمة العامة وآلية صدورها، واحترام تدرج القانون، وأن ينهض بالقضاء الاداري لممارسة مهامه الادارية، مؤكدا على أهمية مشروع نظام إصدار اللوائح والتنظيمات الخاصة، مشيرا الى وجود خلل تشريعي في منح الجهات التنفيذية الحق في إصدار اللوائح والتعاميم الخاصة دون وجود جهات رقابية تتأكد من عدم مخالفتها للأنظمة والقوانين الاعلى منها، مشيرا إلى أن بعض الجهات التنفيذية تستغل صلاحياتها في إصدار اللوائح التنفيذية عبر تكييف اللوائح وتفسيرها للنظام، سواءً عن قصد أو بدون قصد، وقد تكون تفسيراتها خاطئة ومخالفة للنظام الذي أصدرت لتفسيره وشرحه. مسؤولون ينظرون للتعاميم بثقافة «سري للغاية»! قال هشام الخزيم ان النظام المقترح يمثل قفزة في مستوى الشفافية والرقابة على ما يصدر من الأجهزة الحكومية من لوائح وتنظيمات خاصة تشمل التعاميم والضوابط والتعليمات التي تصدرها تلك الأجهزة، مؤكداً أن أبرز ما جاء به النظام هو إلزام الأجهزة الحكومية بنشر جميع اللوائح والتنظيمات الخاصة بما في ذلك التعاميم والضوابط والتعليمات وما في حكمها مما يصدره الجهاز الحكومي لتنظيم جزء أو أكثر من أنشطتها، ونشر كافة اللوائح والتنظيمات الخاصة على الموقع الإلكتروني الخاص بالجهاز الحكومي، وأن في ذلك أقصى درجات الشفافية. وأضاف: انه لطالما كانت التعليمات والتعاميم والضوابط التي تصدرها بعض الأجهزة الحكومية في الماضي صعبة المنال، مشيراً إلى أن بعض المسؤولين في بعض الأجهزة يعتبر التعاميم من الأسرار التي لا يجوز لأحد الاطلاع عليها، لافتاً النظر إلى أن من شأن ذلك المقترح أن يتيح ثروة نظامية للمحامين والمنظومة العدلية في نشر جميع التعاميم والضوابط السابقة واللاحقة الصادرة من وزارة العدل والمجلس الأعلى للقضاء، أو للتجار والتجارة في نشر جميع التعاميم والضوابط الصادرة من وزارة التجارة والاستثمار، وهي فرصة للمنشآت الخاصة المهتمة بإدارة المعرفة لجمع كافة هذه اللوائح والتنظيمات الخاصة وفهرستها وتبويبها والتأشير على الساري منها والملغي كما تفعل بعض المؤسسات العالمية مثل قاعدة البيانات Westlaw. مجلس الشورى يدرس نظام اللوائح والتنظيمات الخاصة عبر لجنة الادارة والموارد البشرية حوكمة التشريع تعزز الشفافية في التعامل مع المواطنين د.فهد العنزي عازب آل مسبل نايف الفهادي أنس السويلم محمد الجذلاني هشام الخزيم