هل تعلم أن كثيراً من المسلسلات السعودية التي صورت في مدينة الرياض مطلع التسعينيات كانت خالية تماماً من العنصر النسائي؟ مسلسلات مثل "حكايات قصيرة" و"طاش ما طاش" بجزأيه الأولين، كانت ذكورية الطابع، لا يمثل ولا يصور ولا يكتب ولا يخرجها إلا ممثلون رجال، تماماً مثل وضع المسرح السعودي الآن. وكانت هذه الذكورية الفجة مقصورة على دراما الرياض فقط، وجاءت استجابة لاجتهاد فردي من أحد المسؤولين عن الإنتاج الدرامي حينها، والذي أمر الفنانين - شفاهة - بعدم الاستعانة بالممثلات والاكتفاء بالممثلين، وذلك لأسباب لا يعلمها إلا هو، بحسب قول أحد المنتجين الفاعلين في ذلك الوقت. عندما تقارن ذلك الظرف الحرِج الذي عاشته دراما الرياض قبل عشرين سنة، بواقعها الراهن، ستدرك حجم التغير الكبير الذي طال المجتمع السعودي وطال وعيه وعلاقته بمجالات الإبداع الفني، بل إدراكه لمقتضيات الحياة الإنسانية الطبيعية التي لا تلغي وجود المرأة ولا تطمسها من الفضاء العام. لقد تطورت الفنون لدينا وأصبح وجود المرأة واقعاً في الدراما التلفزيونية والمسرح والسينما والتشكيل، ممثلة وكاتبة ومخرجة ورسامة، ولم يعد بإمكان أحد أن يستبعدها، ليس لأن المسؤول لا يريد ذلك، بل أيضاً لأن وعي المجتمع تطور وأصبح لا يقتنع بفنون تحكي الحياة وتستبعد المرأة من المشهد. وإذا شاهدت مسلسلاً مثل "حكايات قصيرة"، ورأيت أبطاله؛ علي المدفع وعبدالعزيز المبدل ومعهما ناصر القصبي وعبدالله السدحان، وهم يؤدون مشاهدهم داخل المنزل ويتحايلون على المُشاهد لإقناعه بوجود الأم والزوجة والأخت، ويختارون القصص التي تحتمل هذا التحايل، لا تملك إلا تقدير هؤلاء الفنانين الذين مروا بتحديات كبيرة واستطاعوا خلال سنوات قصيرة من تغيير واقع الإنتاج الدرامي في منطقتهم، وساهموا في رفع درجة وعي المجتمع بالفنون وطبيعتها اللصيقة بالحياة وأخرجوها من دائرة التوجس التي كانت تسكن عقول بعض المسؤولين، فأصبحت مسلسلاتنا -بفضلهم- أكثر قرباً للواقع وأكثر منطقية وإقناعاً. إن أي استبعاد للمرأة الممثلة هو قتل لصدقية العمل الدرامي، ووأد لواقعيته، وحسبنا هنا أن نستشهد بتجربة مشابهة لما عاشته دراما الرياض، ألا وهي تجربة القنوات المحافظة عندما دخلت مجال الإنتاج الدرامي قبل سنوات بمسلسلات مثل "غبار الهجير" و"مطبات" وغيرها، وكانت خالية تماماً من العنصر النسائي، لكنها لم تستمر وفشلت وماتت وهي في بداية عمرها لسبب بسيط هو أن الجمهور - حتى الذي ينتمي للإعلام المحافظ - لم يقتنع بهذه الصورة المشوهة للواقع، حيث لا وجود سوى للرجل؛ في المنزل والشارع وكل مكان. يمكننا قراءة فشل محاولات وأد الممثلة في الدراما المحلية من جانب اجتماعي، ونقول إنها علامة مبشرة على أن المجتمع يتقدم للأمام في وعيه وإدراكه، وليس مجتمعاً جاهلاً متشدداً كما يحاول بعض المثقفين المأزومين تصويره. وإذا أضفنا العدد الكبير من المخرجات وكاتبات السيناريو الموجودات الآن في الأفلام السعودية القصيرة، والمسرحيات، سنجد أننا مجتمع طبيعي يحب الفنون ويتعاطى معها بوعي.