قد لا يعلم كثيرون أن المذيع المتألق عبدالله المديفر بدأ مسيرته الإعلامية من بوابة الإخراج الدرامي حيث أخرج قبل نحو عشر سنوات فيلمين "إسلاميين" حصدا نجاحاً كبيراً وكانا سبباً في انطلاق ما بات يُعرف ب"الدراما الإسلامية المحافظة". حتى ذلك الحين كان التمثيل يعتبر نوعاً من الكذب المنهي عنه، كما كان الفنان ينعت بالحمار تنقّصاً وازدراءً، ووصلت الحملة ضد الفنون إلى ذروتها، لكن بمجرد مجيء عبدالله المديفر بفيلميه "اليتيم عماد" و"الحقد الأبيض" انقلب كل شيء وأصبح الفن مقبولاً ولم يعد التمثيل كذباً ولم يعد الفنان حماراً بل حتى مفردة "العرض السينمائي" أصبحت متداولة بأريحية تامة بعد عرض فيلم "الحقد الأبيض" بداية سنة 2003 في دار التربية في القصيم على شاشة كبيرة وأمام جمهور تجاوز الأربعة آلاف متفرج. ولنكن أكثر دقة ونقول: إن المفردات التي تزدري الفن لا تزال مستخدمة لكن ضد من لا ينتمون للتيار المحافظ، بينما يتمتع نجوم الدراما الإسلامية باحترام أكبر ولا أحد يصف تمثيلهم بالكذب رغم أنه نفس تمثيل الفئة الأخرى المغضوب عليها. أي أن ولاء الممثل وانتماءه الفكري بات شرطاً لتحديد موقف المحافظين منه، فمن كان ضمن تيار "الحقد الأبيض" فهو منا وما يفعله مقبول، أما أتباع "طاش ما طاش" فهؤلاء "هم العدو" وما يفعلونه كذب لا يجوز. هذه الانتقائية الحزبية تم توظيفها بشكل فعّال في بدايات الدراما المحافظة، كان هناك حماس طاغٍ لإنتاج المزيد من هذه المسلسلات، وجاءت انطلاقة قناة المجد لتنقل هذا المفهوم إلى مستويات أعلى من الجودة وذلك عبر إنتاجها لمسلسلي "مطبات" و"غبار الهجير" في عامي 2007 وَ 2008، وهما يمثلان ذروة النجاح والانتشار، وبفضلهما توقع الكثيرون بأن الدراما الإسلامية في طريقها إلى أن تصبح صناعة حقيقية ستنافس - بل تقضي على - الدراما الهابطة!. لكن بنظرة سريعة على المشهد الدرامي الآن، يتضح أن الآمال التي كانت معقودة على الدراما المحافظة ذهبت أدراج الرياح. لقد ماتت، وزال وهجها، وفقد صنّاعها الحماس والرغبة في الاستمرار. أما لماذا فالسبب واضح وقاله النقاد منذ البداية،: إن هذه الدراما ولدت مشوّهة وتحمل بذرة فنائها في أحشائها، بسبب تجاهلها لاثنين من العناصر المهمة في البناء الدرامي التلفزيوني؛ الموسيقى والنساء. عندما تقدم حكاية لرجل تائه في الصحراء فسيكون مقبولاً منك تجاهل وجود المرأة، أما إذا قدمت حكاية اجتماعية في إحدى القرى كما في "غبار الهجير" دون أن تظهر أي امرأة فأنت هنا تقوم بتشويه الواقع بشكل غير مقبول. نعم قد يتعاطف معك الجمهور لسنة أو سنتين لكنه لن يلبث أن يسأم منك ومن تشويهك لواقعه، وسيتجاوزك بحثاً عن أعمال أخرى تكون أكثر منطقية وأكثر واقعية، وهذا ما حصل للدراما المحافظة التي وضعت أمامها قيوداً كثيرة كانت سبباً في فنائها. هل ماتت الدراما الإسلامية؟. نعم.. ولعل في موتها عبرةٌ وتأكيدٌ على أن صناعة الدراما لا تعيش بالنوايا الحسنة فقط.