لم تعد المنصات الإعلامية الرياضية المتعددة بثوبها الحالي، تُطاق لدى الكثير من عقلاء الوسط الرياضي، وباتت مهنية الإعلامي الرياضي اليوم تسير على محك خطير، وتتقلب على صفيح ساخن، وتواجه سفينته رياحاً وأمواجاً، تطيح بها يمنة ويسرة وملاحو هذه السفينة بوعي ومن دون وعي، يزيدون من ارتباكها، فلا هم تمسكوا بأخلاقية تحميهم، ولا لجأوا إلى موهبة تحفظ ماء وجوههم، يسير هذا المشهد المعتم بنصف موهبة ونصف أخلاق، يرتكب آلاف التجاوزات كل يوم بحق الجماهير من قراء ومشاهدين، هو يترنح ضائعاً تائهاً يحتاج قبل أن يواجههم بفكره المحدود أن يواجه أولاً نفسه بكل صدق وواقعية. من الطبيعي أن يكون لأي إعلامي انتماء رياضي، ولكن من المهم أيضاً أن يمارس الحيادية في مهنته في أزهى صورها، بعيداً عن التطبيل أو الضغينة، حتى تصل رسالته الإعلامية ناصعة من دون فحش أو بذاءة، ومن دون طعن، في شخوص العاملين في الوسط الرياضي بمختلف مكوناته وأطيافه واختلافاته، بمن فيهم الإعلاميون المناوئون لميوله وتوجهاته. الإعلامي الناجح هو من يقف على مسافة واحدة من كل الأطراف، مهما اختلفت الظروف، فليس من طريف القول ان بعض الصفحات الرياضية تحولت إلى مراكز إعلامية بالنيابة، عن المراكز الإعلامية الرسمية في الأندية، وفي جهة ثانية وفي عصر الفضاء المفتوح على مصراعيه، تهب بعض البرامج الرياضية ومذيعوها وضيوفها إلى طرح نقاشات عقيمة، تعبر عن حجم الخواء الذي تعاني منه كثير من عقول المحسوبين على الإعلام، لا بد أن نعترف أن الإعلام عموماً والرياضي بشكل خاص بحاجة إلى إعادة نظر في كثير مما يطرح في منابره، وهنا يقف دور وزارة الثقافة والإعلام التي اصبح عليها مسؤولية كبيرة لضبط هذا الانفلات الواضح، حتى لا نسمع مثل تلك الأصوات النشاز التي تلوث الأجواء بتعصبها، وتحقن الجماهير خارج الملاعب يوماً بعد يوم، بسموم الكراهية والبغض، والمؤسف أن تلك الأصوات تتصدر مشهد المجالات الإعلامية، بين الإعلام المقروء والمرئي، فتارة يظهر الإعلامي الرياضي عضواً في إدارة أحد الأندية، ومرة عضو شرف، وأخرى ناقدا حصريا، ثم يرتدي ثوب المؤرخ الواسع، وفي مشهد آخر يقدم نفسه علانية كمشجع متعصب، وصفات مبتدعة لا تنتهي، وهو ومن شابه توجهه وأفكاره مجرد متطفلين على الإعلام الرياضي، بحدوده وفضائه ومنصاته كلها، بضاعتهم رديئة، وأهدافهم ضيقة ومواقفهم انتهازية، ولم يعد سراً أن تنوع مواقع التواصل الاجتماعي ساهم في تمدد ظاهرة هؤلاء المتطفلين على مهنية الوسط الإعلامي الرياضي، فظهرت معرفات عدة، تدعي أنها تقود الرأي العام، بعضها بأسماء وأخلاق مستعارة، همها الأول ترويج بضاعتها الرديئة، تتستر بخبث وجبن بعيداً خلف ستار التعصب المقيت، يحاكيها في طرف آخر الكثير من الإعلاميين المعروفين بصورة مخجلة، ومنهم من يتبوأ مناصب قيادية في هذا المسار، ويلجأ بعضهم للسخرية والاستهتار بمشاعر الجماهير، التي لا تنتمي لميوله، بكثير من الإسقاطات والاسفافات، التي يتورع عنها أصغر العقلاء، ففي المساء يبث سموم تعصبه، وفي الصباح يصافح القرّاء بنصائح عن الروح الرياضية، ومزيد من التنظير الذي لا يطبقه هو بنفسه، واقعاً ملموساً في ممارساته القاصرة في منصات إعلامية تتنوع وتتشكل وفق فكره المكشوف. وهناك من وجد في هذا الصدد باباً مفتوحاً للشهرة، على حساب قيمه وأخلاقه، فلا يتردد من الهبوط إلى منازل أخلاقية دنيا، ينتهك خلالها حقوق أبرياء، يخالفونه في الميول، ليدغدغ مشاعر ثلة من متابعيه المتعصبين، وعندما تقلب صفحات تاريخه المهني تجده صفراً على اليسار، في أعوام طوال لم يقدم خلالها ما يشفع له بالانتماء إلى الإعلام كمهنة وممارسة حقيقية، إلا بطاقة مروره إلى قلوب وأفئدة المتعصبين ومدرجات محددة. لم يعد الحديث النبوي الشريف: "إذا لم تستح فاصنع ما شئت" يردع معانيه الكثير من المتجاوزين حدود المهنية الإعلامية وآدابها، إذ ان تجاوزاتهم تخطت مرحلة الحياء، وأضحت بحاجة ماسة إلى عقوبات رادعة، تساهم في فلترة الوسط الرياضي، وتميز الغث من السمين، لتصحيح مسار الإعلام الرياضي، بحجة المحافظة على مصداقية الكلمة وشفافيتها، وعدم الانزلاق بها نحو متاهات ومسارات خاطئة، وأن تطبق في هذا السياق بعض العقوبات المادية والمعنوية على الشاطحين عن مهنية الأداء وأخلاق المهنة، بعد أن تعكرت بأطروحاتهم السقيمة أجواء التنافس الشريف داخل الملاعب وخارجه وبين الجماهير، ولا عجب أن نجد الانقسام ذاته بين أصحاب الميول الواحدة في حالات مماثلة، حتى أمسى الإعلام الرياضي في حالة يرثى لها، تتقاذفها المصالح والتوجهات، دون احترام أو تقدير لبقية العقلاء في المدرجات. الإعلام الرياضي النزيه سيظل واجهة مهمة من واجهات التطور، إذ لم يعد مجرد ناقل لما يدور في دهاليز الساحة الرياضية، وإنما تعدى ذلك نحو الشراكة في صنعه، إن لم يكن صانعاً حقيقياً له، الأمر الذي فرض عليه العديد من المسؤوليات والتحديات، أهمها المسؤولية الأخلاقية، عندما يختصر الفروق بين الأفراد والجماعات، بطرح الرؤى والأفكار النيرة، ونشر الخبرات وتعديل السلوك والسمو الأخلاقي بين الصغار والكبار، بما يتلاءم والعادات والتقاليد الرياضية السليمة والروح الرياضية، ونشر الثقافة الرياضية والقيم، وتكريس دور مكارم الأخلاق بين الجماهير الرياضية، هذا هو الدور المفترض للإعلام الرياضي المهني بعيداً عن فضاءات التعصب، ومنصات الساخرين والمطبلين والانتهازيين، ممن سودوا الصورة الناصعة لنزاهة الإعلام الرياضي ومصداقيته.