يبدو أن النور بدأ يشرق في آخر نفق التعصب الرياضي المزمن، بعد الأنباء المتداولة عن اعتماد قرارات تنظيمية صارمة للحد من التعصب الرياضي، وترويجه في وسائل الإعلام، بمشاركة جهات حكومية عدة لرصد كل ما يؤدي إلى التعصب الرياضي في وسائل الإعلام المختلفة، واتخاذ إجراءات عاجلة تجاه مثيري التعصب من قبل الجهات المختصة إلى جانب برامج توعوية وندوات رياضية لتوعية الشارع الرياضي ووسائل الإعلام عن التعصب بمشاركة جهات مختصة، وهذا يعد مرحلة مهمة في تاريخ الرياضة السعودية على الصعيد الإعلامي الرياضي، إذ أمسى التعصب في المشهد الرياضي السعودي، يتجسد كظاهرة واضحة وملموسة وواسعة الانتشار، مهدداً مكونات وتشريعات الوسط الرياضي، وهو ماحذر من انتقاله مختصون نحو تهديد وحدة المجتمع، وإسهامه في ايجاد نوع من التنافر والتباغض بين فئات المجتمع الواحد وأفراده خصوصاً النشء منهم. وإذا ماتم حصر منابع التعصب في العقود الماضية من خلال وسائل الإعلام التقليدية، إلا أنها في الوقت الحاضر تمددت وتوسعت بصورة مهولة، من خلال وسائل الإعلام الجديد والفضائي بمختلف مسمياته ومنصاته الجماهيرية، فطغى داء البحث عن الشهرة وزيادة المتابعين، على مصداقية الكثير من الإعلاميين على حساب بث الحقائق، فتشكل الخطاب الإعلامي بعيداً عن المعايير المهنية، متجاوزاً المسؤولية الاجتماعية وأسس العمل الإعلامي المحايد، وفِي مقدمتها المصداقية والدقة والحياد والبحث عن الحقائق. المتابع لوسائل الإعلام الجديد يلاحظ بسهولة تامة، خطر الإعلام الرياضي المتعصب في تجييش الجماهير، وجرها عنوة إلى وحل التعصب والتنافر والتباغض، وبأساليب متعددة على رأسها الصور الساخرة والمستفزة والعبارات العدائية، والعناوين المثيرة سلباً التي تفوح منها رائحة الكراهية، والتحيز للون ضد آخر، وطالت خطورة التعصب الرياضي العمل الإعلامي الرياضي المحايد، إذ تفرق مندوبو وسائل الإعلام الرياضي فيما بينهم إلى محامين لرؤساء الأندية، أو أعضاء الشرف من دون احترام المهنة الأصيلة، وحفظ حقوق كيانات الأندية، وتقدير الجماهير، فضلا عن إهمال تحمل مسؤولياتهم المهنية والمجتمعية، من خلال مواجهة الظواهر السلبية، بل والتحيز لمصالح شخصية بحتة ونظرات ضيقة مسيئة لمهنيتهم. ومن المؤسف في هذا الصدد أن التزام البعض من الإعلاميين الرياضيين باللغة المحايدة، بالنقد الهادف البناء، والحفاظ على ترابط المجتمع الرياضي لا يلقى رواجاً لدى المدرجات والمنصات الإعلامية الرسمية وغير الرسمية، بل ربما يصل الأمر إلى وصفهم بالضعف، والنفور من آرائهم باتجاه آراء أخرى متشددة، يقودها التعصب للرأي الواحد واللون الواحد فقط، بعيدا عن نشر القيم وحماية فكر المجتمع عبر الأخبار المكذوبة وترويج الإشاعات وتجسيد الآراء المتطرفة. وفِي الوقت الذي يحفل الوسط الرياضي بالكثير من القضايا الشائكة، على مدى موسم واحد أو مواسم متعددة، تبرز ظاهرة خطيرة في الوسط الإعلامي الرياضي، هي الازدواجية في الرأي والتعاطي مع هذه القضايا وفق الميول، وتأثير ألوان الأندية فيطغى التناقض بصورة مقززة، ويمكن قياسه بسهولة عند مقارنة الرأي الإعلامي الواحد، بين مدافع ثم مهاجم، والعكس صحيح انطلاقاً من مبدأ ميولي أولاً ما يؤدي إلى تضليل المجتمع الرياضي، وإغراقه في بحر من التجاذبات السلبية، وجره نحو المزيد من الاحتقان وليست البرامج الرياضية المتلفزة التي تبث بشكل يومي من مؤسسات إعلامية متنوعة، في منأى عن تكريس التعصب الرياضي، مع حرصها على استقطاب الإعلاميين المتعصبين، وممارسة الضحك على حبال تناقضاتهم في سبيل جذب المشاهدين للمتابعة، والتأثير تباعاً على مدرجات الأندية بين مؤيد أو معارض للطرح الرياضي المتعصب، ثم التحزب لهذا الإعلامي أو ذاك حسب توجه طرحه المتعصب الأعمى في مواجهة الحقيقة. التنظيمات الهادفة للحد من التعصب الرياضي لابد أن يصاحبها العمل على تفعيل دور الإعلام الرياضي المحايد والنزيه، في الحد من التعصب والعنف في الملاعب، والتوعية بدور اللغة الإعلامية الرياضية الرسمية، ومنصات الإعلام الجديد، وفي تعزيز أخلاقيات التشجيع الرياضي لدى الجماهير، والحث على المنافسة الشريفة والتغني بالانتصارات في الملاعب، من دون الانتقاص من المنافسين أو محاولة تقزيمهم، فالإعلام الرياضي المحايد يمكن أن يلعب دورا فعالا في مواجهة الغزو الفكري، وحماية الشباب وتنمية الثقافة الرياضية، وفق أهداف واستراتيجيات وفرق عمل متخصصة في المجالات الإعلامية المختلفة، التي تعمل على خلق الترابط الاجتماعي والوطني، وتنمية روح الولاء والانتماء لهذا الوطن الكبير برعاية قيادته الحكيمة التي تحرص دوماً على التآلف والتعاضد بين الجميع.