النقد الهادف والإساءة متضادان والفارق بينهما كبير جداً وكذلك النتائج بينهما مختلفة تماماً فكثير من الأشخاص لا يفقه شيئاً في النقد وأحياناً يتجاوز في أسلوبه سواء كان في الكتابة أو في الكلام حدود الأدب، فهو لا يفرّق بين النقد الهادف البناء الذي أساسه الإصلاح والتغيير وبين الإساءة والتجريح التي لا تخرج عن إطار الانتقام والتشفي، ولذلك نرى أن البعض خاصة ممن يدعون المثالية الزائفة يضعون أنفسهم مكان الناقد الحصيف لكل من يخالفهم الرأي فهم لا يبالون بالإساءة والتجريح بدواعي النقد وهذه العينات تكتسح وسائل التواصل الاجتماعي وبعض من وسائل الإعلام المختلفة، وكذلك تأتي ثقافة نقد المواطن للجهات الحكومية خصوصاً الخدمية منها والتي يتعامل معها بشكل شبه يومي، فالهدف من هذا النقد البناء والإصلاح وتطوير الخدمة وردم الخلل وبالتالي يجب أن تكون صدور المسؤولين فيها رحبة لهذا المواطن وان يعملوا على معالجة الخلل والقصور بدلاً من تبرير الخلل والفشل. مفهوم النقد يؤكد د. أحمد الزهراني – أكاديمي – أن النقد بمفهومه الصحيح هو التعبير كتابة أو شفاهة حول فعل إنساني وتبيان جوانبه الإيجابية والسلبية للخروج برؤية تعزز من قيمة ذلك الفعل وتفضي به إلى التميز والتطوير، وينبغي أن نفرق بين النقد البناء وبين الإساءة والتجريح فالنقد قيمة حضارية تقود الأمم إلى التطوير وتلافي القصور وتجنب السلبيات، ولا يتصدى لها إلا المتخصص الذي يعرف مكونات الشيء الخاضع للنقد، وبالتالي يفترض أن يكون الناقد نزيهاً لأنه ينطلق من علم ومعرفة تتطلب الأمانة العلمية في تناوله للموضوع فهناك فرق كبير بين النقد البناء وبين الإساءة والتجريح، فالأول يكون نزيهاً لا ميولاً شخصية فيه والثاني يكون انتقاصاً متعمداً وتصفية حسابات ويفتقد للمصداقية والحس الإنساني، مشيراً إلى أن السخرية إذا لم تكن انتقاصاً لشخص أو فئة أو مجتمع فإنها تعد نقداً هادفاً إذا ما كان ذلك يتعلق بموضوع وفعل وعمل وليس بمن قام بهذا الفعل أو العمل. وحول ما إذا كان هناك فرق بين نقد المواطن ونقد المسؤول، قال: إن المسؤول هو غالباً من يُوجَه له النقد لا لذاته وإنما لأفعاله التي تتعلق بالمجتمع فإذا خرجت عن هذا الإطار إلى شخصه تكون تجريحاً غير مقبول أما المواطن فليس محل نقد لأنه لا ينعكس فعله على المجتمع، ومن المفترض أن يخرج النقد من إطار الشخصنة في النقد إلى إطار الفعل المتعلق بالمجتمع من حيث جودته وتكامله واتقانه أو فشله بعيداً عن الشخوص لأن الهدف إصلاح الخلل وليس النيل من المسؤول أو الفئة التي قامت به. النقد موضوعي ويؤكد د. إبراهيم الشتوي - أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - على أن السخرية ظلال يصاحب الكلام يفهمه المتلقي على أنه سخرية وأحيانا لا يكون المتكلم ساخراً فيظنه السامع أنه ساخر، لكن بوجه عام السخرية هي ظلال يصاحب الكلام يجعل المتلقي يشعر أن هذا المتحدث ليس جاداً وإنما ساخراً ، ليس بالضرورة أن يضخم الساخر صوته أو يخرج لسانه، وقد يكرر الكلام فقط ويفهم المتلقي أن هذا الكلام لا يراد به الجد وإنما يراد به السخرية وما دام يراد به السخرية فمعناه أنه لا يحمل على محمل الجد، هذا ما يتصف بالسخرية والسخرية بعض واسع وكثير في الأدب وفي النقد وشيء من هذا القبيل، أنت عندما ترى كثيراً من البرامج التي تقوم على السخرية والكوميديا لكن كوميديا ساخرة لأنهم يعتمدون على إعادة نماذج موجودة في الواقع بصورة ليست مماثلة تماماً ولكن إعادتها تعني أنه هو نوع من الإضحاك في قدر من النقد هذا ما يتصف به السخرية، لكن نعود الى مسألة النقد الهادف والتجريح، التجريح طبعاً هو نقد شخصي فمثلاً شخص من الناس قام بعمل معين فعوضاً عن أن تتكلم بالعمل الذي قام به تتكلم عنه شخصياً فتنتقل عن الحديث عن الفعل نفسه الى الفاعل فهذا تجريح لا صلة له بالنقد، أما النقد الهادف فهو أولاً النقد الذي يتجه إلى الفعل نفسه وإلى الموضوع المنقود كأن تكون مثلاً ظاهرة اجتماعية أو أدبية كأن تنقد نص أدبي كتبه شاعر، أما اذا كنت تجرح فهو أن تنقد الشاعر نفسه، أما النقد الهادف فهو الذي يتجه إلى النص وإلى الظاهرة المنقودة، ثانياً أن يكون النقد مبنياً على أسس موضوعية علمية منطقية. نقد فضائي وفيما يتعلق بالقنوات الفضائية التي تنتقد من خلال برنامج معين رموز المجتمع أو بعض المسؤولين، قال د.الشتوي: أنا أرى أن أي قناة فضائية معينة عندما تقدم نماذج ينبغي أن تراعي النماذج الجيدة التي تخدم الأسس والقيم العليا في المجتمع ولاينبغي على هذه القناة مثلاً أن تهتم بالإثارة فقط وتسوق نماذج للحالات الفردية التي لا تمثل الظاهرة الاجتماعية الحقيقية، لكن لو حدث مثل هذا الأمر وقامت إحدى القنوات الفضائية بعرض مثل هذه القضايا فالمسؤولين من حقهم أن يردوا على مثل هذه القنوات لأن هذه الحالات التي تعرضها هذه القنوات هي حالات غير صحيحة، فبالتالي معد هذا البرنامج يحاول البحث عن حالات فردية وخاصة وأحياناً لا تشكل شيئاً في الصورة الكلية، وهذا لا يعني أن الحالات التي تعرض إذا كانت صحيحة لا تُحل أو تُعالج حتى لو كانت فردية، ويذكر البرنامج على أنه أظهرها وقدمها للسطح لكن لا ينبغي أن نأخذها نحن على أنها هي التي تمثل المشهد بالكامل وننظر للموضوع بزوايا مختلفة، فهذه القضايا التي تعرض إذا كانت صحيحة وهادفة فينبغي أن تُحل ومن حقها أن تحل ويُشكر البرنامج لأنه قدمها للمسؤول حتى يطلع عليها وأوصل صوت هذا المواطن إلى المسؤول ولا نأخذها على أنها هي التي تمثل المشهد، فالنقد ينبغي أن يكون موضوعياً وإذا كان نقداً عاماً يؤخذ على وجهه وإذا كانت حالات خاصة فتعالج إن كانت صحيحة، ولا ينبغي أن نتحسس منه عندما يكون مبنياً على أسس موضوعية فالنقد هو عين ثالثة تساعدنا على رؤية الأشياء التي لا نراها فالنقد بمثابة المرآة فهو يساعد الإنسان على معرفة نفسه أما النقد الشخصي لا ينبغي أن يُتطرق إليه إلا إذا كانت هناك حالة يراد أن تُناقش بشفافية وبدون تجريح وشتيمة كمثال الشاعر ونصه الأدبي. النقد إصلاح وترى د. هيا الكلثم - عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام - أن النقد أساسه تقييم العمل واصطلاحه والنهوض به لأن النقد البناء هو الذي يساعد في البناء وتجويد الشيء وتحسينه، فهو سلوك إيجابي يختلف تماماً عن الإساءة والتجريح الذي ينتهجه البعض لأنه يعتبر سلوكاً سلبياً يقود إلى الهدم وإعاقة التنمية والتطوير، مشيرةً إلى أن السخرية بحد ذاتها تحطم وتهدد وتخدش مشاعر الآخر، بينما النقد سلوك إيجابي بناء، مشددةً بالوقت ذاته على أن الناقد يجب أن يكون ملماً ومحيطاً بما ينقده حتى يكون نقده صحيح وفي محله ويساعد على البناء بشكل فعال. د.أحمد الزهراني د. إبراهيم الشتوي