حمد عبدالرحمن المانع إذا تحول الكلام إلى تجارة فاسدة، فاعلم أن مروج الشائعات هو المستثمر الوحيد في هذا الاكتتاب البائس، والذي تهوي أسهمه إلى القاع في كل حين، لأنه يستند على الكذب والغش والخداع، ليس كل ما يقال أو ينشر يصدق، وخفيفو العقول هم الزبائن الدائمون لمروجي الشائعات التي لا تقف آثارها عند إحراق الحقائق فحسب، بل تذهب إلى أبعد من ذلك حينما تثير الفتنة. مطلق الشائعة إنسان مريض ويعاني من مشاكل في أخلاقه، ونقص وخلل في التربية أفضى إلى ضمور في القيم والمبادئ، المشكلة تكمن بمن يسهم في تمرير الشائعة حينما يستغله هذا الافاك، ويستعمله ويستغله لنشر بؤسه بمعزل عن التحقق من مصدر المعلومة، وهكذا هو دور "اللي يدرعم ويطير بالعجة" ويبني استنتاجاته وقراراته وفقا لأهواء الآخرين ورغباتهم، هذه الفرق الشريرة دأبت على بث الأحقاد وإثارة الفتن وإشاعة الفرقة، وجل ما يصبون إليه مشاهدة التناحر والتخاصم بين الناس وزعزعة الاستقرار وإيغار الصدور بين الشعوب والطوائف، في حين أن الإنسان السوي لا يقبل أن يكون ألعوبة وإمعة يردد ما يقال كالببغاء ويشتري البؤس بثمن بخس. ولا أعتقد بأن عاقلاً يرغب في رهن عقله "لبسطات" التواصل الاجتماعي "واكشاك" الفضاء التي تقتات الشرور، وإذا كان مصدر الشائعة موغلاً في الخبث فإن الأجدر عدم تمرير هذا الإفك لأن التمرير يسهم في انتشار الكذب ولأن الإثم سيلحق بمن ساهم في هذا التمرير لما في ذلك من مضرة قد تجلبها هذه الأكاذيب، ليتحول وبكل أسف إلى جسر كئيب وهو ينفذ رغبات هؤلاء الأفاكين، ويرهن شخصيته وإرادته باختياره في مزادهم البائس بتحريف المسميات تارة والعزف على أوتار نشاز تارة أخرى. ما أحقر أسرى الخطيئة وهي تصول وتجول في أذهانهم المضطربة، انسلاخ من كل المعاني المنطقية للفطرة السوية، والهدف واضح وضوح الشمس في رابعة النهار إثارة الشقاق واختطاف الاستقرار عبر صياغة بغيضة فجة للمعطيات منزوعة الدسم والأدب في ذات الوقت، وتوحي بالمقام الأول عن خلل في الفكر واهتزاز في المبادئ التي ارتهنت بضاعة مزجاة لتُشتري بأبخس الأثمان. الفساد الأخلاقي من أقسى ما تواجهه الشعوب، إذ أنه يقضي على قيمها ومقدراتها، ووقود قراصنة الشائعات هم السذج والأغبياء، فما أن يسمعوا خبراً ملفقاً حتى يسارعوا من فرط غبائهم إلى نشره، ناهيك عن التحايل في استمالة السذج من واقع تنمية بذور الشقاق، عبر إدراج مسألة التمييز والتفرقة في أجندتهم البائسة، ولا تلبث أن تسقط من جعل التسرع عنواناً بارزاً لحماقته، وهو ينساق بكل سذاجة في تصديق حكايات نسجت وفق خيال مريض تمكن منه البؤس، وهو يحيك المؤامرات ويثير الضغائن ليمتطي صهوة الفتن التي لا محالة ستنعكس عليه لتحرقه، كما كانت نيته السيئة وقلبه الأسود حينما أزاح الأمانة عن طريقه. إن بائعي الأوهام ومسوقي البهتان هؤلاء المشعوذون الضالون، لن يزيدوكم إلا إرهاقا وتعبا، ونيلا من دينكم واستقرار أوطانكم، فكيف يرضى المؤمن أو المؤمنة أن يرهن قيمه لهؤلاء التجار التعساء، تمرير اعوجاج السلوك تارة في القدح وتارة في الذم وأخرى بالتشكيك في النوايا.. تعاون على الإثم والعدوان، وهدم الدول يتم من خلال زرع الفتن، فاحذروا أن يجروكم هؤلاء البؤساء إلى الخسران في الدنيا والآخرة، حفظ الله الوطن من كل سوء ومكروه إنه ولي ذلك والقادر عليه.