د. صالح بن حمد التويجري قد يختلف العصر الذي نعيش فيه عما سبقه من العصور من حيث التغيرات المتلاحقة في العالم والتهديدات المحيطة بنا من كل جانب منها ما هو عسكري ومنها ما هو اقتصادي واجتماعي ومنها ما هو فكري. ومن وجهة نظري أن رؤية 2030 ما هي إلا خارطة طريق لما يجب أن تقوم به مؤسسات الدولة وقطاعاتها ويكون فيها المواطن مشاركا فاعلا، يؤازرها ويُساهم في إنجاحها. وهي العمل وفق منهجية واضحة لتحقيق التنمية الشاملة والمتوازنة التي تستجيب لتطلعات المواطن وتطوير الخدمات المقدمة له. نحن الآن أحوج من أي وقت مضى لإحراز نتائج والوصول إلى مؤسسات حكومية وخاصة ناجحة وفاعلة ولديها القدرة على قيادة التعامل مع ما يواجهنا كمجتمع من تحديات وما نرغب تحقيقه من أهداف، حيث لم يعد مقبولاً أن تتغير إستراتيجيات قطاع ما بمجرد تغير المسؤول الأول بها أو أن لا نسارع في معالجة التشوهات وسد الثغرات في أنظمتنا وممارساتنا الإدارية والأخذ بأسباب الإدارة الحديثة، حيث إن فاعلية الإدارة ضرورة حتمية في صراع محتدم التنافس على المستوى الإقليمي والدولي، فالمنتج أو الخدمة لأي قطاع كان تصبح كاسدة إن لم تبلغ سقفها الأعلى وسقفها الأعلى هو الإبداع، وما يقود إلى جودة المنتج أو الخدمة هي الإدارة المُبدعة، والنظم والآليات الإدارية التي تتخذ الجودة منهجاً وأسلوباً لذلك نحن في حاجة إلى تبني الإدارة الحديثة في مؤسساتنا الحكومية والخاصة للتعامل مع التحديات التي تواجهنا، لكي ننهض بأنفسنا وأمتنا إلى مصاف الأمم المتقدمة. إن الإدارة تمثل العلامة الفارقة والمسافة الزمنية بين الدول النامية والدول المتقدمة حالياً. وقد تمتلك بعض الدول النامية الموارد المالية والبشرية والثروات الطبيعية، ولكن لنقص الخبرة الإدارية بقيت في موقع متخلف، وربما أهدرت ما تملكه من موارد، وفي الجانب الآخر فإن النجاح الذي عليه الدول المتقدمة يعود وبشكلٍ أساسي إلى وجود إدارة قديرة تعرف طبيعة مسؤولياتها والبيئة المحيطة بها. ولا شك أن نجاح رؤية 2030 لن يتحقق إلاّ بحسن الإدارة والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة دون تبذير أو تقصير والاهتمام بالعنصر البشري تأهيلاً وتدريباً. وفي الوقت الذي تتعاظم فيها التحديات والمتغيرات، لم تعد الأساليب التقليدية والمفاهيم الإدارية القديمة قادرة على تلبية متطلبات المجتمع الذي يتطلع إلى النهوض ومنافسة بقية الدول، لذلك فإن الرؤية ورسالتها على المدى الطويل وتحديد ميزاتها التنافسية وتنفيذها، من خلال دراسة ومتابعة وتقويم الفرص والتحديات وعلاقتها بالقوة والضعف في العملية الإدارية هي ما يجعل الإدارة تأخذ بزمام المبادرة وفق منهج واضح وإستراتيجيات وخطط تنفيذية، بدلاً من أن تكون في حالة مجرد رد الفعل في التعامل مع مشاكلها مما ينعكس على تشكيل مستقبلها. إننا نعيش في عصر سريع التغير والمخاطر تحيط بنا من كل جانب والتنافس الإقليمي والدولي على أشده، فإن لم نواكبه فإننا سنجد أنفسنا متخلفين عن الركب، فمن يتخاذل أو ينتظر لن يجد له مكاناً في المستقبل. ولا يجب أن تعمينا التفاصيل الصغيرة وتعرقل مسيرتنا نحو تحقيق المشروع الأكبر. فالإدارة الناجحة يجب أن لا تعطي فرصة للمفاجآت، ولا تستجيب للأحداث بردود الأفعال بل تأخذ في الحُسبان كافة السيناريوهات وفق الخطط والخطط البديلة وتقوية بيئتها الداخلية إلى البيئة الخارجية بوصفها مضمار التنافس الذي يبقيها دائماً في السباق وانتهاز الفُرص المتاحة، بل أرى أن عليها خلق الفرص كما أنه من المهم جداً وضع المعايير الموضوعية لاكتشاف وتصحيح الانحرافات ولابد من إشراك العاملين في اكتشاف الأخطاء واتخاذ القرارات اللازمة لتصحيحها مما يرفع من روحهم المعنوية ويشعرهم بالولاء للمؤسسة التي يعملون بها. وعلى سبيل المثال فوزارة التعليم بالتنسيق مع الجهات المعنية في القطاع الحكومي والخاص مطالبة بدراسة قوى العرض والطلب على القوى العاملة، ووضع المواءمة المطلوبة بينهما من حيث الكم والنوع في كل تخصص من التخصصات، لا أن يُتخم السوق بتخصصات قد لا يحتاجها. ووزارة الصحة مطالبة بدراسة الأسلوب الأمثل لإدارة وتشغيل مستشفياتها، هل بالأسلوب المباشر كما هو حالياً أم تحويلها للقطاع الخاص وتوفير التأمين الصحي لمن يستحقه، ووزارة البلديات مطالبة بدراسة المحلات التجارية في المدن، وتحديد الكم المطلوب منها في كل مدينة، بل في كل حي ومن يحق له العمل بها ومواعيد عملها، ووزارة العمل مطالبة بدراسة حاجة البلاد من العمالة الوافدة كماً ونوعاً وكيفية الاستغناء عنهم بسعوديين وفق خطة زمنية محددة بعد أن يتم تأهيل السعودي لهذا الغرض وعندما اضرب هذه الأمثلة أقول أن مثل هذه الدراسات قد عملت في السابق ولكنه وبكل أسف لم تجد طريقها للتطبيق إما لتغير مسؤول أو لأسباب أخرى لا أعرفها. ولذلك فأنه ليس من المعقول أن يدار قطاع ما بفكر المسؤول الأول فيه ويتغير بتغيره؛ حيث يجب أن تتحكم الرؤية بفكر المسؤول وليس العكس وعلى المسؤول أن يعمل في ضوئها ويسعى لتحقيق أهدافها. وتأتي رؤية 2030 بشكل واضح ورسالة واضحة وإستراتيجيات وخطط يجب أن تكون معروفة وآليات متابعة تطبيقها يجب أن تكون واضحة هكذا تعمل الدول المتقدمة وهكذا أرادت لنا قيادتنا الرشيدة أن نعمل (وكلٌ مسؤول من موقعه) على ضمان تنفيذها لننهض وتنهض دولتنا لتأخذ المكانة التي تستحقها بين الدول، وليس ذلك بصعب على إرادتنا حكومة وشعباً بعد توفيق العلي القدير.