اقتربت هيلاري كلينتون أكثر من أي امرأة أخرى من الفوز بالرئاسة الأميركية لكنها أخفقت للمرة الثانية فيما يمثل هزيمة صعبة لشخصية سياسية تمتعت بقدر كبير من الريادة لكن الآراء انقسمت حولها في المجتمع الأميريكي. ففي سعيها للفوز بمنصب الرئيس الذي شغله زوجها بيل كلينتون من عام 1993 إلى 2001 خسرت معركتها الأولى لكسب ترشيح الحزب الديمقراطي لصالح باراك أوباما عام 2008، ويوم الثلاثاء خسرت وهي مرشحة الحزب الديمقراطي أمام المرشح الجمهوري دونالد ترامب (70 عاما). في عام 2000 أصبحت كلينتون أول امرأة بين من شغلن مركز السيدة الأولى تفوز بمنصب عام في انتخابات لتصبح عضوا في مجلس الشيوخ عن ولاية نيويورك، وفي 2009 أصبحت ثالث امرأة تشغل منصب وزير الخارجية، وفي يوليو الماضي أصبحت أول امرأة تفوز بترشيح أحد الحزبين الرئيسيين في الولاياتالمتحدة في انتخابات الرئاسة لكن اتضح أن الرئاسة هدف بعيد المنال. وكانت كلينتون واعية لمدى أهمية اللحظة التاريخية لدى قبولها ترشيح الحزب في يوليو فقد قالت "عندما تسقط أي حواجز في أميركا فهي تفسح الطريق للجميع. ففي النهاية لا حدود للآفاق عندما تختفي السقوف. لذا فلنواصل المسير. لنواصل المسير إلى أن تتاح لكل واحدة من 161 مليون امرأة وفتاة في مختلف أنحاء أميركا الفرصة التي تستحقها". وعلى مدى أربعة عقود من الزمان قضتها كلينتون في الحياة العامة خاضت معارك مع خصومها من المحافظين والجمهوريين منها تحقيق مكتب التحقيقات الاتحادي في استخدامها خادم خاص لرسائل البريد الإلكتروني وهي وزيرة للخارجية وتحقيقات في معاملات سابقة في مجال الأعمال وما دار حول عدم إخلاص زوجها بيل كلينتون لها ومحاولة فاشلة من جانب الجمهوريين لعزله من منصبه. وسبق أن رشح الحزبان الرئيسيان امرأتين أميركيتين هما جيرالدين فيرارو عام 1984 وسارة بيلن عام 2008 لمنصب نائب الرئيس لكن لم يقيض لهما النجاح في الانتخابات. وبعد أن خسرت كلينتون أمام أوباما في السباق الحزبي عام 2008 أرجأت طموحاتها للوصول إلى البيت الأبيض وقبلت العمل كوزيرة للخارجية في حكومته من 2009 إلى 2013. بعيداً عن الهاوية ويرى معجبوها فيها زعيمة حازمة قادرة بل وملهمة في بعض الأحيان تحملت مصاعب شديدة من خصومها السياسيين الساعين لإسقاطها. وأثناء الدعاية لها يوم الاثنين في ميشيغان وصفها أوباما بأنها "مرشحة ذكية ثابتة سبق اختبارها وربما كانت أكثر الناس مؤهلات لشغل هذا المنصب". أما منتقدوها فيعتبرونها شخصية عديمة الضمير وانتهازية متعطشة للسلطة، وكان كثيرون من الجمهوريين والمحافظين ينفرون منها وشكت في عام 1998 أثناء فترة رئاسة زوجها من "مؤامرة يمينية كبرى". وصورت نفسها في مواجهة ترامب على أنها تحمي البلاد من خطر قالت إنه يمثله على الديمقراطية الأمريكية. وفي أكتوبر قالت لصحيفة نيويورك تايمز "كما قلت للناس أنا آخر حائل بينكم وبين الهاوية". وعندما دخلت كلينتون سباق الفوز بترشيح الحزب الديمقراطي في العام الماضي كانت تعتبر صاحبة أفضل فرص الفوز حتى أن قيادات أخرى في حزبها انسحبت من المنافسة لتخلي لها الساحة. غير أنها كانت شخصية من داخل المؤسسة الأميركية وصاحبة باع طويل من العمل السياسي وذلك في وقت كان الناخبون مفتونين فيه بالقادمين من خارج المؤسسة. واستطاعت التغلب على تحد صعب على غير المتوقع من السناتور الأميركي بيرني ساندرز الذي نال إعجاب الناخبين الشبان وحقق من الإثارة ما فشلت كلينتون في بعض الأحيان في تحقيقه. وخلال الفترة التي شغلت فيها منصب وزيرة الخارجية في إدارة الرئيس أوباما تصدت للحرب الأهلية في كل من سوريا وليبيا والبرنامج النووي الإيراني ونفوذ الصين المتنامي وإصرار روسيا على تأكيد دورها وإنهاء حرب العراق والحرب في أفغانستان بالإضافة إلى محاولة لم يكتب لها النجاح لتسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ضجة البريد الإلكتروني أمضى أعضاء الكونجرس من الجمهوريين سنوات يحققون في اتهامات تدور حول ثغرات أمنية في وزارة الخارجية فيما يتصل بهجوم شنه مسلحون متشددون في مدينة بنغازي الليبية أسفر عن مقتل السفير الأميركي. ووقفت كلينتون تدلي بشهادتها وهي مرشحة للرئاسة خلال جلسة استماع صعبة في الكونجرس امتدت 11 ساعة في أكتوبر عام 2015 واجهت فيها انتقادات الجمهوريين لأسلوب تعاملها مع الحادث. وسلطت الأضواء على قضية أخرى كان لها نصيب من الإضرار بها سياسيا خلال جلسات الكونجرس المطولة عن هجوم بنغازي وتمثلت في اتهامات أنها خالفت القانون باستخدامها خادم الكمبيوتر الخاص لبريدها الإلكتروني في رسائل خاصة بأعمال الحكومة وهي وزيرة للخارجية. وفي يوليو وصمها جيمس كومي مدير مكتب التحقيقات الاتحادي بالإهمال الشديد في تعاملها مع البريد الإلكتروني غير أن وزارة العدل قبلت توصيته بعدم توجيه اتهامات جنائية إليها. وأعلن كومي قبل 11 يوماً من الانتخابات أن مكتب التحقيقات الاتحادي يحقق في مجموعة جديدة من رسائل البريد الإلكتروني لكنه عاد وقال قبل يومين من الانتخابات إن مراجعة تلك الرسائل لم تسفر عن شيء ذي بال يغير القرار الذي سبق اتخاذه بعدم توجيه اتهامات رسمية لها. وقالت كلينتون خلال مناظرة في 26 سبتمبر مع ترامب مشيرة إلى أن تعاملها مع البريد الإلكتروني كان "خطأ" تتحمل هي مسؤوليته "لو اضطررت إلى ذلك مرة أخرى فمن الواضح أنني سأفعل ذلك بشكل مختلف". وانتهز ترامب ذلك فراح يهزأ بهيلاري "المحتالة" وقال إنه سيسعى لسجنها إذا ما فاز في الانتخابات وشجع أنصاره على ترديد هتاف "احبسوها".