في المواقف الصعبة تكتشف قيمة الأصدقاء.. وتعرف أهميتهم، تكتشف من هم أصدقاؤك ومن هم "حثالة اختيارك" كما يقول الراحل أنيس منصور! في لحظاتك الأصعب في الحياة تكون ساعة الفرز الحقيقي لمن عرفتهم وتعايشت معهم، الأصدقاء والمعارف، والأقارب، البعيدون والقريبون منهم، تكتشف وجوهاً وتغيب وجوه أخرى وتتحول إلى مخيلة غائبة أكثر من أنها كانت واقعاً واضح الرؤية، تفاجأ بعالم من الناس أصبح الأقرب وكأنك كنت لا تراهم تواجدوا بطريقة عفوية وصادقة وهي أفضل الطرق الأخلاقية للتواجد لدى الآخرين، لم يتكلوا على ما توفر لديهم منك ولكن تواجدوا بما توفر لديهم لك ولم يحتاجوا إلى الوقت ليعرفوا هل بإمكانهم أن يقدموا شيئاً أم لا؟ في مرحلة من العمر تكون رؤيتنا للأشياء مختلفة وواعية ويتغلب عليها المنطق.. نلتمس العذر لمن تأخر علينا، ونبحث عن مبررات لمن لا نريد أن نخسرهم، هذا كله يجري في إطار الحياة المتحركة والعادية والتي نركض داخلها بهمومنا ومشاكلنا الاعتيادية.. دون أن نتوقع هبوب العاصفة أو تحركها دون أن تبلغنا أنها سوف تهب علينا..! بعد هبوب العاصفة التي في الغالب تطال كل شيء وتتغير معها الأشياء وتتبدل الصور ولا تعود كما كانت.. تشعر في لحظة غيابك عمّن حولك بمن هم حولك في تلك اللحظة، تعرفهم تشعر بقيمتهم، يسكنون المكان الذي تسكنه، ويسكنهم رغم أنهم غابوا عنهم لفترات لظروف انشغال كل منّا بالحياة والركض داخلها، تشعر بهم ولكنك تؤجل تفنيد تلك المشاعر لحين انتهاء العاصفة وغياب الضجيج وهدوئك أنت لتقرأ الصورة جيداً وتستوعبها وتعيد كتابتها وفقاً للمتغيرات التي حدثت..! مشكلتنا مع الحياة أنها تظل هادئة كثيراً وكأننا نعيش في هدنة متواصلة ولكن بمجرد انتهاء هذه الهدنة التي في كل الحالات لا نعرف متى تنتهي، يتفجر الضجيج وتتسابق الأحداث وتشعر لحظتها أنك خارج نطاق التغطية، ليس لديك سوى الحزن لتتدثر به، وسوى الوجع لتذوب داخله يحتويك ويحادثك وكأنه الصديق الأقرب، يبدو الحزن عندما نعيشه وكأنه أشد لحظات الحياة صدقاً، وهو الوحيد القادر على تعرية دواخلنا وكشفها، يجعل رياح الزهد عاتية وهي تقصفك من كل الاتجاهات، دون أن يكون لك خيار الهروب أو المغادرة لأن الأماكن كلها محكومة بنفس الإحساس، بمعنى أنك تسكن حياتك الريح أو تسكن أنت الريح.. التي لن تهدأ إلا بعد أن تنهي دورتها وتحمل معها ما تستطيع أن تحمله بعد اقتلاعه من دواخلنا..! ولذلك تجد أننا نفقد هدوء النفس وسكينتها عندما نفقد من نحب ومن اعتدنا وجودهم، نشعر أن لا حياة بعدهم وأن ثمة حياة ولكنها مختلفة ولن تعود كما كانت عليه قبل ساعة من فقد من نحب.. وبرغم أنك تتمسك بالإيمان وتناجي الصبر في أن يحضر إلا أنك تستسلم للحظات غياب عن الحياة صعبة وأنت داخلها.. لحظات تفرّغك من إحساسك بالرؤية للأشياء كما كانت وهي لم تعد كذلك. وحدهم الأصدقاء هم من يسيرون معك وسط العاصفة حتى وإن غادروها قبل انجلائها.. وحدهم الأصدقاء الحقيقيون من يعيشون معك داخل الحياة وخارجها..!