اشتهر المؤرخ النجدي الشهير عثمان بن عبدالله بن عثمان بن أحمد بن بشر بالاهتمام بالتاريخ والادب حيث كان مؤرخاً وأديباً ونسابة إليه يعود أبناء زمانه في ما أشكل عليهم في علوم التاريخ والأنساب كما كان عاشقاً ومهتماً بعلم المواسم والأبراج والنجوم وفق ما يسمح به الشرع الحكيم حيث رصد في كتابه مواسم الزراعة والري والحصاد ومواقيت المطر وثقف الناس في مواعيد مناسباتهم الدينية والاجتماعية والتي يرى البعض أن هذا الكتاب هو أول كتاب «نجدي» عن الحسابات الفلكية والأبراج حتى كان الناس في نجد يتناقلون بعض المعلومات التي يطلقون عليها حسابات ابن بشر، ويتناقل الباحثون في هذا الزمان بعض من النسخ والمخطوطات التي تعود للشيخ نفسه والتي كتبها بخط يده سواءً كانت من إرثه العلمي أم أنها متوارثة من قبل بعض المهتمين بالمخطوطات والوثائق من ذلك شهادته وختمه على بعض الوثائق والمبايعات، حيث كان ختمه -رحمه الله- يحمل عبارة «الواثق بالمقتدر عبده عثمان بن بشر». ربط جسوراً كثيرة من أحداث الدولتين الأولى والثانية ووثق بمؤلفاته تاريخ الجزيرة العربية نشأته اتفق المؤرخون على أن مولد الشيخ والمؤرخ النجدي الشهير عثمان بن عبدالله بن عثمان بن أحمد بن بشر كان عام 1210ه في بلدة جلاجل بإقليم سدير، كما اتفقوا على أن كتاباته لاسيما التاريخية كانت وما تزال من أهم المراجع التي يعود إليها الباحث لمعرفة تاريخ وسط الجزيرة العربية لاسيما في القرون الأربع الأخيرة، ويذكر أن المؤرخ ابن بشر نشأ يتيماً فوالده عبدالله بن عثمان كان قد توفي -رحمه الله- في الوقت الذي لم يتجاوز عمر ابنه «المؤرخ» الخامسة أي عام 1215ه وذلك في مدينته جلاجل التي نشأ وتعلم فيها المؤرخ النجدي الشهير فقرأ القرآن الكريم وتعلم مبادئ الكتابة والقراءة، ثم انتقل إلى الدرعية قرابة عام 1224ه، وهو حينها ابن الرابعة عشر من العمر، وكانت الدرعية آنذاك تعيش فترة ازدهار علمي واقتصادي كما أنها كانت مقر قيادة الدولة، وهناك تلقى المؤرخ ابن بشر العلم على يد عدد من العلماء الذين تتبعهم الباحث بدر الخريف كالشيخ إبراهيم بن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، الذي قرأ ابن بشرعليه كتاب «التوحيد» عام 1224ه، والشيخ علي بن يحيى بن ساعد، وقاضي الإمام سعود على سدير، والشيخ إبراهيم بن سيف، وقاضي الإمام عبد الله بن سعود على الوشم، وقاضي الإمام تركي على الرياض، والشيخ عثمان بن منصور، وقاضي الإمام فيصل على بلدان سدير، والشيخ عبد الكريم بن معيقل، والشيخ غنيم بن سيف، وقاضي الإمام سعود بن عبدالعزيز على مدينة عُنيزة. معاصرته الأحداث من ميلاده إلى حتى وفاته عاش المؤرخ ابن بشر عهد الدولتين السعودية الأولى والثانية وعلى الرغم من أنه أدرك عهد الازدهار والتوسع الذي جاء مع عهد الإمام عبدالعزيز وابنه سعود إلا أنه كان شاهد عيان على حملات محمد علي باشا إلى مرحلة سقوط الدولة، كما أدرك حالة الفوضى التي طالت البلاد جراء غياب السلطة وهي الفترة تنازع السيادة فيها بعض أمراء البلدان والأقاليم وشهدت البلاد حالة من الفوضى وانعدام الأمن، كما أدرك وهو في عنفوان شبابه عودة الإمام تركي بن عبدالله لاستعادة حكم أبائه حين دخل الرياض وجعلها مقر حكمه، ثم عودته مرة أخرى بعد حملات الباشا المتتابعة، وكذلك عودة ابنه الإمام فيصل بن تركي، من مصر واستعادته حكم نجد والأحساء. عشق ابن بشر التاريخ وسعى من خلال اطلاعه على أحداث عصره إلى تدوين ما يمر بالبلاد من تقلبات وصراعات تتبعها ابن في مؤلفاته التي غابت بعض نسخها عن الباحثين والمؤرخين، كما ترك عدد من المؤلفات والمخطوطات التي تنوعت حول الدراسات التاريخية والأنساب وكذلك النجوم والأبراج حيث اهتمامه كما كان من أهم كتبه ذلك الكتاب الذي سماه «سهيل في ذكر الخيل» والذي قيل أن ابن بشر ألفه تلبية لطلب الإمام فيصل بن تركي، أما كتاب «الإشارة في معرفة منازل السبع السيارة» الذي سبق التعريف به فقد انتفع منه عامة الناس لاسيما أهل البوادي والزراع في الحواضر، كما أن له كتاب «بغية الحاسب»، و«مرشد الخصائص ومبدئ النقائص في الطفيليين والثقلاء»،والذي صنفه البعض على أنه شبيه بكتابات بعض علماء العصر العباسي الذين تطرقوا للتاريخ الاجتماعي وصوروا لنا الجوانب المخفية من تاريخهم وعاداتهم وتقاليدهم الاجتماعية، وقد أصبغ عليه ابن بشر طابع السخرية وحث من خلاله على انتهاز الأعمار وحث فيه على انشاط والعمل، كما أن له كتاب اسماه «فهرس طبقات ابن رجب على حروف المعجم»،وهو من عنوانه يظهر سعة أفقه في الدراسات الإسلامية وعلوم التراجم أما كتابه «عنوان المجد في تاريخ نجد» فيظل هو الكتاب الأشهر والأكثر تداولاً بين الباحثين والمؤرخين،لاسيما أنه يعتبر –بلا أدنى شك- أحد أهم المراجع التاريخية للباحثين في تاريخ وسط الجزيرة العربية خلال القرون الأربعة السالفة. أسلوبه وعباراته أحدثت بعض عبارات ابن بشر جدل لدى الكثيرون ممن جاء بعده وعلى الرغم من أنها أقل مما ورد في مؤلفات ابن غنام -رحمهما الله- إلا أنها ظلت محل عتب من قبل عدد من العلماء الذين رأوا في كتاباته إقصاء للمخالف وتعميقاً لما يراه ابن بشر أخطاء لكل من خالف دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب على أن هذه العبارات -كما يقول منتقدي ابن بشر- لم تكن من صميم دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب بل أنها جاءت كاجتهاد من قبل بعض العلماء الذين جاءوا بعد زمن الشيخ محمد بن عبدالوهاب ويصف الدكتور خليفة المسعود هذه الظاهرة بأنها حماس غير منضبط من قبل المؤرخ ابن غنام رحمه الله ويقول « ثم أخذ منه المؤرخ ابن بشر -رحمه الله- فكان ألطف عبارة من سلفه» ثم يعرج على عبارات ابن بشر في وصف ممدوحه فيقول «لكن مشكلة إسباغ الأوصاف الخارقة على الممدوح ظلت صفة ملازمة»، أما الأديب والمؤرخ أبو عبدالرحمن بن عقيل الظاهري فقال «ياليت الشيخ عبدالرحمن بن حسن لمّا وبخ ابن بشر على السجع المتكلف برسالته التي وجهها له، وبخه على ما هو مخالف لدعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب كهذه العبارات الجالبة العداوات والمحن». أما عباراته المطعمة بالسجع والمحسنات اللفظية فعلى الرغم من أنها لقيت في بعض مواقعها قبولاً من قبل البعض إلا أن عدد من العلماء رأى فيها أسلوباً متكلفاً وسجعاً زائداً كان بالإمكان تجنبه دون تأثير على المعنى المراد الوصول له، وإن كنا نرى أن ابن بشر -رحمه الله- ربما أراد من أسلوب السجع تقريب العامة وترغيبهم قراءته حيث تستلذ نفوسهم العبارات المسجوعة بل أن القراءات النجدية لأمهات الكتب كثيراً ما كانت تقرأ بلحون وأهازيج شعبية. مراجعه ومنقولاته يرى بعض المؤرخين أن ابن بشر عاد في معظم مادة كتابه «عنوان المجد في تاريخ نجد» إلى ما خطه ابن لعبون بل أن منهم من زعم أن كتاب ابن بشر ما هو إلا نسخة من تاريخ ابن لعبون، بيد أن هذا القول وجد أيضاً تعليلات وتحفظ بعض الباحثين، فيما يرى علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر أن ابن بشر نقل في تاريخه كثيرا مما ذكره ابن غنام والفاخري في تاريخيهما، ومع هذا لم يشر إلى ذلك، إلا أن الجاسر قال عن مؤلفه «عنوان المجد»: «إنه خير كتاب ألف في موضوعه على ما فيه»، وكما ذكرنا فإن المؤرخ ابن عيسى يرى أن «عنوان المجد» لابن بشر منقول من تاريخ حمد بن لعبون، بل هو بعينه، فيما تشهد كتابات المؤرخ المصري المعاصر محمد جلال كشك عن تاريخ الدولة السعودية على أهمية كتاب «عنوان المجد» لابن بشر، هذا على الرغم من أن كثير من كتابات ابن بشر وعدد ليس بالقليل من مؤرخي نجد انخصرت في معظمها على الجزيرة العربية لاسيما أقليم نجد، باستثناء ابن لعبون وابن عيسى. عنوان المجد قبل مايقارب ثلاثة عقود طبع كتاب «عنوان المجد» عدة طبعات وقد كتب عنه الدكتور عبد العزيز الخويطر رسالة تحليلية قال من خلالها : طبع الكتاب عدة طبعات، وكلها تعتمد على الطبعة التي طبعت في المطبعة السلفية في مكةالمكرمة على نفقة قتلان ونصيف، والنسخة التي طبعا عليها جاءتهما من رئيس قضاة مكةالمكرمة الشيخ عبد الله بن بليهد، وسألت عنها الذين اطلعوا عليها هل هي قديمة الخط أم حديثة؟ فقالوا: إنها قديمة، كما يوجد لها نظائر مخطوطات في نجد، ومنها نسخة عند حفيد ابنه وهو محمد بن عثمان بن أحمد، ابن المؤرخ عثمان، ويقيم في مدينة بريدة، مما يؤكد أنها حين الطبع كانت كاملة لم يحذف منها شيء. ثم عثرت وزارة المعارف على نسخة في المتحف البريطاني في لندن فيها زيادة أخبار لم تذكر في النسخة الأولى، ولكنها ناقصة فكملتها وزارة المعارف من الأولى، وطبعتها، وهذه أوفى من التي قبلها، كما تم الاطلاع على نسختين خطيتين؛ واحدة كاملة والأخرى مخرومة، وفيهما زيادات على الطبعات كلها، فالكاملة في الزبير والناقصة بقلم الشيخ إبراهيم بن صالح بن عيسى، وختم المؤلف النسخة الكاملة بقوله: «كما ستقف عليه إن شاء الله مفصلا في الجزء الثالث بعد هذا الكتاب جعله الله خالصا لوجهه الكريم، قال مؤلفه: وافق الفراغ من تبييض هذا الكتاب في شعبان من شهور عام 1270ه)، على أن ابن بشر رحمه الله نوفي ولم يخرج هذا الجزء بصورته الكاملة. وقد تتبع الباحث بدر الخريف حديث المؤرخين عن هذه النسخة حيث قال المؤرخ إبراهيم بن عيسى في آخر المخطوطة المخرومة: «قال مؤلفه عثمان بن عبد الله بن بشر رحمه الله تعالى: (تم الكتاب ويتلوه إن شاء الله دخول سنة ثمان وستين ومائتين وألف، ولم أظفر بحوادث سنة 1268ه فلا أدري هل هو كتب ذلك أم لا؟. ويضيف أن هناك من يرى أن إن ابن بشر كان قد ابتدأ بكتابة ما وعد به، لكنه لم يبيضه، بل ترك النسخة الوحيدة منه وهي المسودة وتوفي ولم يظهرها للناس». يذكر أن عدد من الباحثين والمؤرخين حرصوا على تتبع نسخ كتاب «عنوان المجد في تاريخ نجد» نظير ما يحمله هذا السفر من توثيق نادر لمرحلة مهمة من تاريخ وسط الجزيرة العربية لاسيما وأن صاحبة كان علماً واسماً بارزاً في مجال التاريخ والذي لاشك فيه أن ابن بشر كان من أساطينه الموثوقة لاسيما أنه شاهد حي على أحداث زمانه، التي ربما أنه كان يكتبها كوقوعات يومية وإن جاءت بصفة الحوليات، ولذا فقد خضع «عنوان المجد» لعدة مختصرات؛ وربما تذييلات متممه لما جاء بعده من التواريخ. وفاته كانت وفاة الشيخ ابن بشر -رحمه الله- كما ذكر المؤرخ إبراهيم بن عيسى في التاسع عشر من جمادى الآخرة عام 1290ه في بلدة جلاجل، أي في بداية تداعيات اضمحلال الدولة السعودية الثانية وقبل ولادة عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل مؤسس الدولة السعودية الثالثة، ولا شك أن هذا المؤرخ العلم ربط جسوراً لكثير من الأحداث والوقائع التاريخية التي ما كان لنا أن نقف على كثير منها لولا أن الله سبحانه قيض لها أمثال ابن بشر وابن لعبون وابن عيسى رحمهم الله رحمة واسعة. ولد ابن بشر في جلاجل عام 1210ه وعاصر العديد من التحولات التي شهدتها الجزيرة العربية آنذاك عدد من المؤلفات التاريخية المهمة لابن بشر إحدى الندوات التي نظمتها دارة الملك عبدالعزيز عن المؤرخ ابن بشر أحد الطرق بالرياض سمّي باسم المؤرخ ابن بشر رحمه الله منصور العساف