الدكتور عبد العزيز الخويطر (ت 1435ه) رحمه الله واحد من الأدباء الأكاديميين القلائل الذين لم يمارسوا استعلاءهم على الأدب الشعبي والشعر النبطي على وجه الخصوص، بل كان له اهتمام كبير بالتراث الشعبي تجلّى للقراء بوضوح في مؤلفاته وكتاباته التي تؤكد شغفه بجميع ألوان التراث، وقد لاحظ الأديب الكبير عزيز ضياء (ت1418ه)، الحضور القوي للألفاظ الشعبية في كتاب الخويطر الشهير (أي بُني)، وطالب الخويطر بزيادة الاهتمام بشرح الألفاظ التي تبدو غريبة عن غير أهل الجزيرة وأهل نجد مثل: "الّلزا" و"السعلوة" و"خمطها" و"المشقاص" وغيرها من الألفاظ الموغلة في شعبيتها، وكتب في سياق حديثه عن الكتاب: "قد أكون أنا القارئ الوحيد الذي تعمى عليه معاني هذه الألفاظ لكني أظل حريصاً مع قراءتي لهذه الفصول من الكتاب، أن أرجو الدكتور، أن يُعنى بوضع معجم ليس فقط للألفاظ التي وردت في كتابه مثل (الزرنوق) و(الدامغة) و(المرامة) و(الدشية) و(حسو) بل الكثير من الألفاظ التي أمر بها في قصائد الشعر الشعبي، فلا أفهم منها شيئاً إلا بكثير من الجهد أبذله في تفهم بعضها، حين أرى أن هناك معنى جميلاً يلتهمه اللفظ الشعبي الغريب". من مظاهر عناية الخويطر بالشعر الشعبي كتابته لمقدمات عدد من الدواوين والإصدارات الشعرية المميزة، ومقدماته أشبه ما تكون بالدراسات النقدية التي تتسم بالتوسع والعمق، وقد أشار الدكتور سعد الصويان في حديثه عن "مصادر دراسة الشعر النبطي" إلى تميز المقدمات التي كتبها الخويطر، وتحدّث عن الأهمية الخاصة لكتاب (قصة وأبيات) للأستاذ القدير إبراهيم اليوسف "نظراً لطبيعة المادة التي يتضمنها ولأن الدكتور عبدالعزيز الخويطر كتب له مقدمة ضافية هي عبارة عن دراسة نقدية فنية تبين مواطن جماليات الشعر النبطي"، وأشار الصويان أيضاً لكتابته لمقدمة (ديوان شعراء عنيزة العاميون)، ووصف المقدمتين بأنهما "من أجمل ما كتب عن الشعر النبطي من الناحية الأدبية". إضافة إلى المقدمتين اللتين أشار إليهما الصويان كتب الخويطر دراسة نقدية جميلة ومطولة قدَّم بها (ديوان عبدالمحسن الصالح) الذي صدر عام 1401ه، وأبرز ما لفت نظري في هذه الدراسة، أو الدراسة التي قدّم بها لكتاب (قصة وأبيات)، الجهد الكبير الذي بذله في قراءة نصي الكتابين قبل الكتابة عنهما، ويتجلّى هذا الجهد في غزارة وعمق مادة المقدمة خلافاً لكثير من المقدمات التي تتسم في كثير من الأحيان بالإنشائية وبتدوين ملاحظات عامّة لا تكشف عن خصائص إنتاج الشاعر أو الخصائص المميزة للكتاب المقروء، كما توحي سطحيتها بأنها لم تُكتب إلا من باب المجاملة للمؤلف أو التسويق للكتاب أو الديوان. تستغرق الدراسة الأولى ما يقارب ستين صفحة تحدّث فيها الخويطر عن ديوان الصالح انطلاقاً من العوامل التي أثرت في تجربته، وما تميّز به من روح ساخرة تجلّت في قسم كبير من قصائده، وتوقف عند مسألة كثافة حضور بعض الألفاظ الشعبية التي قاربت على الاندثار في الديوان، وعند طريقة الشاعر الخاصة في استخدام بعض المفردات، وانتقل من مستوى الألفاظ إلى مستوى الصور الشعرية ليسجل ملاحظات نقدية جميلة جداً على أنماط الصور التي استخدمها، من بينها ملاحظته للجوء الشاعر لإنطاق الحيوانات والجمادات في أشعاره لزيادة التأثير على المتلقين، كما تحدّث عن توظيفه للأمثال الشعبية وعن تأثيرات الشعر العربي والشعر النبطي في تجربته، وأشار إلى العديد من السمات الخاصة التي تميّزت بها لغة الشاعر وتميّز بها أسلوبه في إبداع القصيدة. أمّا مقدمته للجزء الأول من كتاب (قصة وأبيات)، الذي صدر عام 1412ه، فتتألف من 40 صفحة ركّز فيها بشكل واضح على رصد الألفاظ الشعبية ومدى حضور كل لفظ في قصائد الشعراء الشعبيين القدماء، وهي عملية بالغة الصعوبة وتتطلب من الباحث جهداً كبيراً جداً، كما تحدّث عن العديد من عناصر البيئة الصحراوية التي ساهمت بوضوح في تشكيل الصور الشعرية لأولئك الشعراء، وطرح في المقدمة بعض تأملاته التي تتعلق بعلاقة الأجيال الجديدة بالتراث الشعبي، وقدّم قراءات موجزة لبعض الأبيات والمقطوعات محاولاً تقريب بعض الصور المغرقة في شعبيتها للقراء. الدكتور عبدالعزيز الخويطر من الأكاديميين القلائل الذين كتبوا عن تراثنا بحب وأنصفوا الشعر الشعبي ومنحوه الكثير من الوقت والجهد، ومن يطلع على المقدمات المشار إليها أو على كتاباته يلاحظ هذا الأمر بوضوح، لذلك فإن أقل ما يمكن أن نقدمه لهذا الرجل هو إحياء ذكره العاطر بالكتابة عنه، والدعاء له، والإشادة بجهوده الرائعة والجديرة بالإعجاب. سعد الصويان إبراهيم اليوسف