إن محاولة الاتفاق على تجميد الإنتاج أو خفضه سوف يفشل قبل أن يبدأ، فلماذا السعودية ترسل رسالة خاطئة للمنتجين وأسواق النفط التي تم تفسيرها على أنها غير قادرة على تحمل الوضع الراهن، مما قد يضعف فرصتها التفاوضية اعتقادا منهم أنها في مأزق مالي وسوف تقدم كل التنازلات من أجل رفع الأسعار. ينبغي على المملكة فرض شروطها قبل إعطاء أي فرصة للتفاوض حتى لا يتشكل لدى هؤلاء المنتجين أنها ستعود إلى ممارس دور المرجح مرة ثانية، عندما تتسع الفجوة بين إنتاجها الحالي وطاقتها الإنتاجية بغض النظر عن تراجع الإنتاج بانجلاء فترة الصيف. هكذا ينبغي على السعودية أن تنأى بنفسها عن التفاوض على مستوى الإنتاج حتى تتمكن من تحقيق أهدافها السوقية وتعظم إيراداتها. لماذا تقدم دولة قائدة في أسواق النفط العالمية تنازلات وهي تعرف جيدا أن المفاوضين لن يلتزموا بأي اتفاق على أمل أن تتحمل هي إجمالي التخفيض. إن الرسالة التي يجب على الأوبك فهمها أنها لم تعد منظمة قادرة على التحكم في معروض النفط لا حاليا ولا مستقبليا، كما ذكر ريتشاردسون (Bill Richardson) وزير الطاقة الأميركية قبل 16 عاما، الذي دائما يحاول إقناع السعودية بزيادة إنتاجها لاستقرار أسعار البنزين في بلاده، في مقابلته الأسبوع الماضي مع "بلاتس" بأن العلاقات بين الولاياتالمتحدة والأوبك قد تغيرت ولم يعد دورها في سوق النفط العالمية موحدا فيما بينها مع تعدد اللاعبين، رغم أن السعودية مازالت القائدة لكن أصبح تأثيرها على الأسعار العالمية أقل بكثير مما سبق (HSNWK 25-10-2016). نعم، لقد تعدد اللاعبون بين أعضاء الأوبك فالعراق لديه طموح لزيادة إنتاجه من 4.7 ملايين إلى 9 ملايين برميل يوميا كما جاء على لسان وزيرها، وكذلك إيران الذي أكد وزيرها أنها تسعى إلى زيادة إنتاجها من 4 ملايين إلى 6 ملايين برميل يوميا؛ كما كان في بداية السبعينات. كما أن وزير روسيا صرح بأن روسيا تخطط لزيادة إنتاجها من 11.1 مليونا إلى 13 مليون برميل يوميا، بغض النظر عن إمكانية زيادة الاستثمارات في ظل تراجع أسعار النفط. وعلى ذلك لم تعد روسيا الطرف الأهم من خارج الأوبك بل إن الشركات الخاصة من أميركا الشمالية والجنوبية أصبحت طرفا ثالثا ومنافسا شرسا. ففي الولاياتالمتحدة ارتفع إنتاجها من 5.4 ملايين في فبراير/2011م إلى 9.6 ملايين برميل يوميا في أبريل/2015م أي بمقدار 4.2 ملايين برميل يوميا، رغم تراجعه إلى 8.5 ملايين برميل يوميا في أكتوبر/2016م، نتيجة لتراجع الأسعار التي بعودتها إلى ما فوق 50 دولار سوف يرافقها عودة إنتاج النفط الصخري وبسرعة مع تطور تقنيات الحفر وارتفاع كفاءتها وتوفر القروض الائتمانية، مما يقلص من الطلب الأميركي (15.6 مليون برميل يوميا) على نفط الأوبك مع مراعاة اختلاف النوعية، كما تم استغناؤها عن نفط الجزائر ونيجيريا. فعندما كان المعروض العالمي من النفط محدودا في العقود الماضية لم يستطيع أعضاء الأوبك الالتزام بحصصهم السوقية المحددة (من مارس/1982م حتى ديسمبر/2011م) ولا حتى سقف الإنتاج (30 مليون برميل يوميا) بداية 2012م حتى 27 نوفمبر 2014م، عندما قررت السعودية إلغاء دور المنتج المرجح وزيادة حصتها السوقية. فلن تلتزم الأوبك أو روسيا بتجميد أو خفض الإنتاج أبدا، إنه شبه مستحيل بل مستحيل وهكذا بدأت إيران والعراق وروسيا وغيرهم بالتنصل من أي اتفاق بل إنهم زادوا إنتاجهم إلى معدلات تاريخية، فليست السعودية الحلقة الأضعف. إن التوازن بين العرض والطلب سيكون عند أسعار أقل بكثير مما نتأمل سواء في الأجل القريب أو البعيد، فعلينا أن نرضخ لواقع سوق النفط العالمي وارتفاع الدولار، ونعظم حصتنا السوقية لتحقيق إيرادات أكبر كلما تحسنت الأسعار وترك السوق يفرض قواه في اتجاه التوازن وتحديد الأسعار، قبل أن يسبق نضوب المكامن النفطية نضوب قيمتها الاقتصادية.