حرصت المملكة العربية السعودية على توافق المنتجين من الأوبك وخارجها بخفض الإنتاج من أجل استقرار أسواق النفط العالمية واستدامة الاستثمارات في عمليات الاستكشاف والإنتاج، مما يجنب العالم أي نقص في المعروض مقابل نمو الطلب العالمي السنوي. لذا سوف تستمر السعودية في دعم المحافظة على الحصص السوقية لكل منتج من خلال متابعة الأسواق وتحركات أسعار النفط وتقييمها بما يتوافق مع شروط الاتفاق، وبهذا تبلورت عقلانية السعودية بتجاوزها أي خلاف سياسي إلى ما يعظم مكاسبها الاقتصادية. إن ترجمة هذا الاتفاق إلى واقع كاد لا يحدث لو لا نظرة السعودية الثاقبة وخبرتها الطويلة ورجالها الأذكياء الذين يقودون اقتصاد هذا البلد نحو مستقبل أفضل، يعظم العائد على استثماراتنا النفطية ويؤدي الى استمرارها لعقود قادمة. هذا ما قاد السعودية إلى توحيد قرارات أعضاء الأوبك ودول من خارجها إلى التجميد أو التخفيض مع بعض الاستثناءات لبعض الأعضاء من أجل دعم أسعار النفط واستمرارية المنتجين في استثماراتهم لتلبية رغبات المستهلكين عند أسعار مناسبة. فهذا الاتفاق يزيد من إيرادات النفط السعودي بأكثر من 88 مليون دولار يوميا عند سعر 55 دولارا وبإنتاج أقل 10.06 ملايين برميل يوميا مقارنة بإنتاج أكثر من 10.6 مليون برميل يوميا وبمتوسط سعر 44 دولارا في شهر نوفمبر، بالإضافة الى توفير كمية الخفض 486 ألف برميل يوميا أو 41% من إجمالي التخفيض المتفق عليه والتي في العاده تعادل كمية التراجع في الاستهلاك المحلي بعد فترة الصيف، لتبقى الصادرات عند كميتها السابقه في نطاق 7.7 ملايين برميل يوميا. فقد تجاوز سقف إنتاج الأوبك 33.64 مليون برميل يوميا، وبعد تخفيضه ب1.2 مليون برميل يوميا في 1 يناير 2017م سيصل السقف الى 32.4 مليون برميل يوميا، وبهذا تخفض العراق إنتاجها بمقدار 200 ألف إلى 4.351 ملايين برميل يوميا، بينما إيران سوف تجمد انتاجها عند مستوى 3.68 ملايين برميل يوميا مع إعفاء ليبيا ونيجيريا اللتان يزيد انتاجهما على 1.8 مليون برميل يوميا لمعوناتهما من انقطاع امداداتهما بسبب الاضطرابات السياسية. كما ان روسيا اكبر منتج من خارج الاوبك ولأول مرة سوف تخفض انتاجها بمقدار 300 ألف برميل يوميا، لأنها لا تستطيع وقف تدفق نفطها عبر الانابيب الذي يأتي معظمه من مناطق عالية البرودة ويتطلب استمرار ضخ النفط بكمية محددة وباستمرار. ولكي تستمر المحافظة على هذا الاتفاق، تم إنشاء لجنة للمراقبة من الجزائر، الكويت، وفنزويلا، واثنان مشاركان من خارج الاوبك لرصد تنفيذ الاتفاق والالتزام بشروطه خلال الستة أشهر القادمة كمدة أولية للاتفاق والقابلة للتمديد لستة أشهر أخرى تبعاً للظروف السائدة في السوق. فان تأثير هذا الاتفاق على أسعار النفط في الأجل القصير أو في الأشهر القليلة المقبلة سوف تتأرجح بين 50 و55 دولارا للبرميل مع تراجع مخزونات النفط العالمية إلى مستويات داعمة لتلك الأسعار، أما في الأجل الطويل أصبح ارتفاع الأسعار مرتبطا بالتزام الاوبك بحصصها وكذلك روسيا، وقد يدعم فصل الشتاء الطلب في الولاياتالمتحدة، اذا ما كان برده قارصا وذلك بارتفاع الاسعار لكن في السنوات الاخير لم يعد تأثيره فاعلا. وعلينا ان نتذكر ان اسعار النفط سوف تواجه ضغوطا من ارتفاع قيمة الدولار، اذا ما قرر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي في 14 ديسمبر رفع معدل الفائدة وكذلك ارتفاع انتاج النفط الصخري وعدم التزام الاوبك وروسيا بهذا الاتفاق كما يحدث في هذا النوع من الاتفاقات من أجل تحقيق مكاسب على حساب. وأقول "نجحت السعودية في إدارة هذا الاتفاق بذكاء".