يمر الإنسان عند تكوينه داخل رحم أمه بعدة مراحل الى أن يكتمل بشراً سوياً قادراً على العيش في دنيا الضنى والعمل الشاق. يبدأ خلق الإنسان عند اجتماع الحيوان المنوي (نطفة الرجل) مع البويضة ليشكل نطفةً في رحم المرأة، وهو كما قال الله تعالى " ثم جعلناه نطفة في قرار مكين " وهنا المقصود هو تلك البويضة الملقحة التي تسبح في رحم الأم، الى أن تجد مكاناً مناسب لها في هذا القرار المكين تلتصق بجدارة (جدارالرحم)، لتبدأ مراحل تكون الجنين بادئ ذي بدء بالنطفة، ومن ثم تنقطع الدورة الشهرية بفعل هرمون الحمل (HCG) والذي يتم افرازه فور حدوث الحمل. وعلى الفور يبدأ ما بداخل هذه البويضة بانقسامات متعددة جداً للتحول من نطفة الى علقة بغشاء الرحم. تكبر هذه العلقة وتتحول في الشهر الثالث من الحمل الى مضغة (قطعة لحمة) غير مخلقة تشبه مضغة كثير من الحيوانات الأخرى التي تمر بنفس مراحل التكوين والتخلق ولكنها ما تلبث الى أن تتخلق وتتشكل الى صورة إنسان مصغرة تحتوي عل جميع أجهزة الإنسان المكتمل بحيث تكون متكونة من جميع الأجهزة ، الجهاز العصبي والجهاز التنفسي .... إلخ. وتنفخ فيه الروح ليبدأ حياته البشرية الجديدة من تلك اللحظة وذلك لقوله تعالى في كتابه الكريم :(ثم أنشأناه خلقا آخر). فتبدأ بعدها مرحلة تكوين العظام وهذه المرحلة طويلة وتبدأ من الشهر السادس إلى الشهر التاسع، تتكون فيها اليدان والساقان وسائر عظام الجسم، ثم يُكسى العظم لحماً، فيتم خلق الإنسان عندها ويصبح جاهزاً للخروج من بطن أمّه إلى الحياة الدنيا. كل هذه المراحل قد أحسن الله صنعها واتقنها وكرمها في صورة الإنسان الذي ذكره في كتابه الكريم بقوله عز وجل : (لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ). ولكنه سبحان وتعالى لم يعصم ويمنع أجسادنا من أن يحدث لها خلل أثناء التكوين والتخلق في أرحام أمهاتنا. فقد يصاب الجنين بأي مرض عارض أثناء أي مرحلة من مراحل التكوين إما بسبب علة في جيناته أو إصابته بمرض فيروسي انتقل اليه من أمه أو دواء سام تناولته والدته أو إشعاع تعرضت له من تحمله بين أحشائها، مما قد يتسبب في تشوه خَلقي أو قصور أو فشل في وظيفة عضو من أعضائه كقلبه أو كلاه أو عينه أو حتى مخه. ولأن الله خلقنا وهو أدرى منا بأنفسنا وأرحم بنا فقد خلق لكل داء دواء علمه من علمه وجهله من جهله. فدل الإنسان وعلمه أن بعض من هذه الأمراض يمكن أن تعالج حتى قبل ولادة الجنين أي أنه وهو داخل رحم أمه، بل ويمكن أن تصحح بعض التشوهات الجسدية (الخَلقيه) عن طريق علم نشأ يسمى جراحة الجنين. وهو عبارة عن مجموعة واسعة من التقنيات الجراحية التي تستخدم لعلاج العيوب الخَلقية في الأجنة الذين لا يزالون في الأرحام. بدأت جراحة الجنين بالجراحة المفتوحة والتى تنطوي على فتح تماما الرحم للعمل على الجنين. ومن منة الله على الجنين وأمه أن مكن الانسان من تطوير تقنياته الحديثة ليكون للجراحة المنظارية جزء من هذا العمل. حيث يُستخدم منظار جنيني (صغير جدا) يُمكِن الجراح ومن خلال شقوق صغيرة وبالاسترشاد المنظاري وبالتصوير فوق الصوتي من أداء عمله الجراحي. ظهرت فكرة الجراحة الجنينية ولمعت في رأس الدكتور مايكل هاريسون وزملائه، فقام بتطوير بعض التقنيات الجراحية واستخدمها على بعض حيوانات التجارب لأول مرة في جامعة كاليفورنيا في سان فرانسيسكو في عام 1980. وفي عام 1981، قام بإجراء أول جراحة جنينة مفتوحة في العالم لجنين تم تشخيصه بإنسداد في المسالك البولية تسببت في تضخم الكلى بشكل خطير قد يؤدي الى توقفها عن العمل نهائياً. قام الدكتور بفتح مثانة الجنين وتسليك الإنسداد ووضع قسطرة تسمح بمرور البول مما يسمح للكلى بالعودة لحجمها الطبيعي والى أداء وظائفها المعتادة. تشبه جراحة الجنين المفتوحة في كثير من النواحي العملية القيصرية العادية والتى تتم تحت التخدير العام، إلا أن الجنين يبقى معتمداً على المشيمة قبل وبعد إعادته إلى الرحم. يقوم الجراح في مثل هذه العمليات بفتح بطن الأم أولاً، فالرحم والمشيمة ثانيا ويُخرج الجنين ثم تبدأ عملية جراحية الجنين. عادة، ما تكون مثل هذه الجراحات عبارة عن إجراء مؤقت يسمح بإزالة خطر فقدان الجنين وإعطاء بعض من الوقت لمختلف أعضائه الحيوية من العمل بشكل شبه طبيعي الى أن يتم التخلق الكامل الذي يسمح للجنين بالخروج للحياة في شكل كامل. تطور علمي مكّن من إصلاح تشوهات القلب والمثانة ... يستطيع بعدها هذا المولود من تكملة التصحيح الجراحي (العمليات الجراحية) وهو في المهد رضيعاً. بعد الانتهاء من عملية جراحية الجنين، يُعاد الجنين إلى داخل الرحم، ويغلق الرحم وجدار البطن. وقبل آخر غرزة في جدار الرحم، يتم استبدال السائل الذي يحيط بالجنين. تبقى الأم في المستشفى بعد ذلك لمدة 3-7 أيام لاطمئنان على حالتها ولرصد علامات الجنين الحيوية والتأكد من عودتة الى الحالة الطبيعية لمن هم في مثل مرحلته الجنينية أو ما يقاربها. وغالبا ما يولد هؤلاء الأجنة أطفالاً خدجاً قبل الموعد الطبيعي للولادة الطبيعية. أثبتت الجراحة الجنينية المفتوحة التي تمت على الكثير أنها آمنة إلى حد معقول للأم، أما بالنسبة للجنين، فإن السلامة والفعالية متغيرة، فهى تعتمد على تعقيدات العملية وإجراءاتها المحددة، وعلى المرض المصاب به الجنين، وعمر الحمل وحالة الجنين الصحية. فقد قدرت نسبة وفاة الجنين أثناء وبعد الجراحة المفتوحة إلى ما يقرب 6٪، وفقا لدراسة أجريت في الولاياتالمتحدة عام 2003. فالأولوية الرئيسية في الجراحة الجنينية هي سلامة الأمهات، ثم يأتي بعدها تجنب الولادة المبكرة وتحقيق أهداف عملية جراحية. لا يمكن أداء الجراحة الجنينية المفتوحة قبل الأسبوع الثامن عشر من الحمل نظرا لحجم الجنين وهشاشته قبل ذلك، ولا يجب تأخيرها عن الأسبوع الثلاثين من الحمل بسبب زيادة خطر الولادة المبكرة. وعمليا، يفضل انتظار ولادة الطفل وعمل الجراحة عليه وقتها إن كان هذا ممكناً وآمناً. يستلزم على الأم التي خضعت للجراحة الجنينية أن تكون ولاداتها المستقبلية قيصريةً وذلك بسبب فتح الرحم مما يتسبب في ضعف الرحم ويعرضها لمخاطر انفجار الرحم في الولادات المستقبلية. لم تشر البيانات الى أن الجراحة الجنينة قد تؤثر على خصوبة الأم وقدرتها على الحمل والإنجاب. هناك العديد من الأمراض الجراحية التى قد يصاب بها الجنين والتي قد يستفيد من الجراحة الجنينية أذكر منها بعض الأمثلة: * إصلاح عيوب الأنبوب العصبي مثل قيلة نخاعية سحائية وهو أحد الخيارات الجديدة الأكثر نموا في الولاياتالمتحدة. * فتق الحجاب الحاجز الخلقي (إذا أشار على الإطلاق، هو الآن أكثر عرضة للمعاملة عن طريق الجراحة بالمنظار الجنين) * تشوهات المثانة الخلقية الكيسية الشبه غدية * تشوهات القلب الخلقية * الاحتباس الرئوي * أورام العجز العصعصية لا يجب تأخيرها عن الأسبوع الثلاثين من الحمل بسبب زيادة خطر الولادة المبكرة. لا يمكن أداء الجراحة الجنينية المفتوحة قبل الأسبوع الثامن عشر من الحمل