"مشروب أسود كالحبر يفيد في علاج العديد من الأمراض وخصوصاً أمراض المعدة، يشربونه صباحاً في فنجان من الخزف يمررونه على بعضهم فيشرب كل منهم كوبا مليئاً يتكون من الماء والفاكهة المأخوذة من الشجرة التي تدعى البن." هكذا وصف الطبيب الألماني (ليونارد راووولف) القهوة في عام 1583م بعد عودته من رحلته الطويلة التي امتدت لسنوات في بلاد المشرق. وبعدما يزيد على أربعة قرون أصبحت القهوة مشروباً عالمياً حيث يستهلك يومياً 2,25 بليون كوب من القهوة حول العالم. ولكن هل ستستمر الحال هكذا؟ هل ستختفي القهوة من العالم عام 2080م؟ نبحر بحثاً عن الإجابة في الأسطر التالية.. قبل الدخول في صلب الموضوع يرى الكثير من المؤرخين أن اليمن كان له الدور الأكبر في نقل ثقافة القهوة للعالم ويكفيك قهوة (الموكا) المنسوبة إلى ميناء (المخا) الشهير في اليمن والذي كان نقطة انطلاق لتصدير البن إلى العالم والذي لا يزال يشتهر باسم (أرابيكا). وأود الإشارة إلى ما ذكره د.عبدالله العسكر، رحمه الله، في مقالة بعنوان (تاريخ القهوة) بجريدة الرياض (24/10/2008م) أن القهوة واجهت معارضة قوية عند دخولها للجزيرة العربية من اليمن إلى مكة ومن ثم نجد وبقية المناطق ووصل الأمر ببعض المغالين في التحريم أن افتروا حديثا نسبوه إلى رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قائلين: "من شرب القهوة يحشر يوم القيامة ووجهه أسود من أسافل أوانيها". وسبحان مغير الأحوال! ونعود لعنوان المقالة والحديث عن مستقبل القهوة حيث أصدر معهد دراسات المناخ في سيدني نتائج دراسة في (29/8/2016م) بعنوان (مخاطر التغيرات المناخية على القهوة The climate change risks to coffee) حيث يشير التقرير إلى أن الإنتاج السنوي للقهوة تضاعف ثلاث مرات منذ عام 1960م ويزداد معدل الاستهلاك سنوياً بمعدل خمسة بالمئة. ووصل حجم التجارة الدولية في القهوة سنوياً إلى ما يقارب 19 مليار دولار أميركي. ويوجد في العالم ما يقارب 25 مليون مزارع يعملون في مجال زراعة البن بأنواعه المختلفة. وبعكس الشركات الكبرى التي تمتلك محميات زراعية فما يقارب تسعين بالمئة من هؤلاء العاملين مجرد مزارعين بسطاء يعملون بتقنيات بدائية ويقطن معظمهم في المنطقة التي تدعى (Bean Belt) وتشمل دولاً مثل اثيوبيا، اندونيسيا، فيتنام، كولومبيا، البرازيل وجواتيمالا والتي تتأثر بقوة بسبب التغيرات المناخية. ويشير تقرير المعهد كذلك إلى أن ارتفاع درجات الحرارة على كوكب الأرض نتيجة التغيرات المناخية من شأنه أن يترك أثراً سلبياً للغاية على صناعة القهوة. فمع ارتفاع درجات الحرارة خلال السنوات والعقود الماضية أصبحت 66% من المناطق الزراعية سابقاً غير صالحة لزراعة البن من نوع أرابيكا. وخلال الخمسين عاما الأخيرة ارتفع معدل درجة الحرارة في إثيوبيا 1.3 درجة مئوية. وإذا ما استمر الوضع هكذا فستتقلص مساحات الزراعة ويتناقص الإنتاج وترتفع أسعار القهوة بشكل كبير للغاية مع احتمالية اختفاء القهوة تماماً عام 2080م بسبب هذه الظروف المناخية. قد يكون من الصعب جداً علينا تصور حياتنا بدون القهوة، فهذا السفير الياباني الأسبق لدى المملكة السيد (إيندو شيغيرو) يخاطب بني قومه بمجلس رجال الأعمال السعودي - الياباني بطوكيو عام 2013م: "فنجان القهوة يحمل قيمة كبيرة جداً لدى السعوديين، ستجدونه يستقبلكم في كل اجتماع عمل ومناسبة اجتماعية. أرى الكثير من الشركات اليابانية تفقد الأمل سريعاً ولا تعمل بجدية لبناء الشراكات مع المملكة. ونصيحتي لكم هي أنه إذا أردتم النجاح فعلاً في مشروعاتكم التجارية والاستثمارية مع السعودية فلن تصلوا لذلك قبل أن تشربوا مئة فنجان قهوة!".