تشمل روائع هذا الشهر الفضيل التأمل في نعم الله التي لا تعد ولا تحصى، ومنها الأمور التي تبدو وكأنها صغيرة وبسيطة.. وفنجان القهوة ينتمي إلى تلك النعم التي لا نعطيها حقها من التأمل رغم روائعها.. يستهلك العالم منها ما يزيد على سبعة ملايين طن من القهوة سنويا.. تتحول بمشيئة الله إلى ما يفوق أربعمائة ألف مليون فنجان.. تخيل أن هذا يعادل حوالي ثلاثة عشر ألف فنجان في الثانية الواحدة. وتنتمي القهوة إلى العديد من النباتات وأهمها وأكثرها شعبية هي الكوفيا آرابيكا (Coffea arabica) التي بدأت، ونمت، وترعرت في المرتفعات الإثيوبية. وتحتاج إلى حوالي خمسين بذرة من نبات (الكوفيّا) لإنتاج البن اللازم لفنجان قهوة واحد. ومصدر البذور هي (كرزة) القهوة. وهي الفاكهة التي تطرحها الشجرة. وكل من تلك الفواكه تحتوي على بذرتين فقط. وهذه البذور جميلة في شكلها وخصائصها، فهي تتميز بأغرب الجدران وكأنها مدرعة حربية، تتمتع بقوة ومتانة عجيبة وينعكس ذلك في كمية الضغط الذي يتولد بداخلها، فأثناء عملية (التحميص) عند تسخينها إلى درجة حرارة عالية.. في حدود المائتي درجة مئوية، يتولد بداخلها البخار وغاز ثاني أكسيد الكربون ويصل الضغط إلى ما يفوق 25 وحدة ضغط جوي.. أي ما يعادل الضغط بداخل السلندرات في محرك سيارة (اللاند كروزر)، وينعكس ذلك في التغيرات بداخل البذرة حيث ينمو حجمها بمقدار حوالي %50. ويصاحب هذه (الدراما) أصوات فرقعة أثناء طبخ البذور.. وتنتج عنها الروائح الفواحة الجميلة التي تميز تحميص القهوة والتي تصدرها أكثر من مائتي مادة عطرة. وتزداد العطور عند تحضير المشروب فيرتفع عدد المواد المسببة للروائح الرائعة إلى ما يزيد على ثمانمائة مادة. حتى لونها الغني يعكس أنها مادة مشبعة بالطيبات. وفي بعض أنواع التحضير، وأهمها القهوة التركية والإسبريسو، تتوج المشروب طبقة سطحية تسمى الكريما (crema) وهي عبارة عن جزيئات ثاني أكسيد الكربون والبخار ومجموعة مواد عطرية تتنافس للبقاء على السطح، وهذه بلا شك من الجوانب الجمالية للقهوة. وكل هذا في جانب والطعم في جانب آخر. تجبرنا حرارتها الشديدة على أن نرتشفها ببطء وحرص شديدين. ولو تأملت في طعمها، ستجد أنها تمثل خليطا عجيبا من طعم مميز يصعب وصفه، وكأنه خليط من الفواكه، والزهور، والخبز المحمص الطازج، والعسل الفاخر. ولكن هناك جوانب غير متوقعة للقهوة ومنها كمية الماء المستخدمة لإنتاج فنجان واحد. فلو تم أخذ زراعة المقادير الكافية من (الكوفيا) في الحسبان، ستصل كمية الماء إلى حوالي مائة وأربعين لترا.. ما يعادل أربعمائة وعشرين علبة (فيمتو). أمنية تأمل في عدد الضعفاء المظلومين في العالم اليوم، وفكر في نسبة من نستطيع أن نساعدهم لو قرر كل منا أن يستغنى عن فنجان قهوة واحد يوميا. فى نهاية كل شهر تخيل كم طفل سيتم إنقاذه من الجوع، وكم مريض سيحصل على علاج. أتمنى أن نتأمل في إعادة برمجة أولوياتنا الاستهلاكية الكبيرة والصغيرة، مهما كانت ممتعة، لصالح قضايا الضعفاء اليوم وكل يوم. والله من وراء القصد. للتواصل أرسل رسالة نصية sms إلى 88548 الاتصالات أو 636250 موبايلي أو 737701 زين تبدأ بالرمز 122 مسافة ثم الرسالة