الأخلاق لا تتجزأ.. الشخص الخلوق يتمتع بهذه الصفة أينما وجد وأينما تعامل.. تزداد أخلاقيات الإنسان عندما تُختبر هذه الأخلاقيات وتوضع على محك التطبيق، والأخلاقيات ليست قراراً يتخذه الإنسان يكون بمقتضاه خلوقا.. إنما الأخلاق نتيجة إرث ديني بالدرجة الأولى؛ وثقافي واجتماعي وبيئي تتحد معا لتشكل شخصية الإنسان ومن ثم أخلاقياته وطرق تعامله مع الآخرين. إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبوا أخلاقهم ذهبوا قالها أمير الشعراء أحمد شوقي قبل قرن من الزمان، منطلقا من أن الأخلاق قاعدة أساسية في الحياة وأساس المجتمعات التي تسعى للبقاء، بل إنها أساس الدين وكانت رسالة نبينا الكريم الذي بُعث ليتمم مكارم الأخلاق، وعليه فإن أي مكون أو طيف مهما كبر أو صغر، تسوده الفوضى إذا انعدمت أو رخصت فيه الأخلاق.. نقول ذلك في ظل ما شهدته بلادنا في الأيام الأخيرة من أعمال وجرائم أقل ما توصف به أنها إرهابية، في حين أن التوصيف الدقيق لها يؤكد أنها «مفاسد» في الأرض تدينها كل الأديان والأعراف والأخلاق. نعرف شعبياً لا أكاديمياً أن الأخلاق علم، لكنه لا يخضع لقوانين منطقية تحدّه وتؤطره بالجمود، فالاختلاف في المعايير زماناً ومكاناً ما بين الماضي والحاضر يبدّل مفاهيمها، ونتيجة النزاع الدامي الذي يغطي بعض مساحات الوطن العربي، تشوهت معالم الأخلاق التي نادت بها جميع الأديان، وسادت لدى شعوبنا إلى حد ما أخلاق حاملي السلاح، حتى لم يعد للإنسان المحب للسلام سابق الأفضلية بأهداف مستقبلية تصب في بوتقته. وبعد أن كان للضمير سلطة تذكر، طوى الكثيرون صفحته، ذلك أنه (لا ضمير للحرب) بحسب المقولة الدارجة؛ باتت التجارة ليست فقط شطارة ممثلة باللعب بعقل المشتري، إنما نهباً واحتكاراً وسرقة ومتاجرة حتى بالإنسان نفسه، ولن نيأس من المطالبة بالعدالة، أقوى المقومات التي تكرس السلم والأمان، ما يقودنا في النهاية إلى الغيرية والبحث عن مصلحة الآخر المحتاج للدعم. في النهاية، الناس قد لا تهمهم القضايا السياسية الكبرى، بقدر ما تهمهم العدالة الاجتماعية التي ينطوي ضمنياً أعلى صفحاتها عنوان العدالة الاقتصادية، الممثلة أيضاً بعدم نهب مخزون الثروات أو عدم استغلالها، وبالتالي إثراء الأثرياء على حساب إفقار الفقراء، البشرية أخلاقيا تنام على طبق من ذهب، لكنها لا تأكل منه، فما الحل إذن لتهدئة النفس وتشذيبها مما علق أو يعلق بها من خبائث وفساد؟ الحل ولا شك في غاية السهولة خصوصا والمسألة متعلقة بالأخلاق العامة أو الدنيا التي من واجب كل إنسان أن يتصف بها كي تحيي نفسه وتسمو وترتقي درجات عوض أن تهفو وتغفو فتنزل دركات، فما الأخلاق التي تجعل من الإنسان حيا في نفسه ومع الآخر؟ وما درجات انفلاتها؟ وإلى أي حد يؤدي اختلال الأخلاق والقيم والمبادىء إلى تدمير النفس والحس والوجدان والشعور والرغبة في الحياة؟ وختاما فالأخلاق وحدة واحدة غير قابلة للتجزؤ والتلون.. ولن تتغير فثوابت الأخلاق موجودة في كل الديانات، وإنما المتغير هم البشر، والمتغير مدى فهمهم لهذه الثوابت ومدى تطبيقهم لها بما ينعكس علينا في تعاملاتنا اليومية وفهم كل منا للآخر دون تعقيدات ودون التطاول من الأدنى على الأعلى.