أعاد الإرهابي الفرنسي في صفوف داعش "رشيد قاسم" الأضواء إلى المخاطر المتعلقة بتطبيقات الرسائل الفورية المشفرة مثل "التليغرام" وغيرها، هذه المرة كان الصراخ قادماً من فرنسا التي تجرعت سلسلة من العمليات الإرهابية في صيف هذا العام كان أبطالها بلا منازع "التليغرام" و"رشيد قاسم". "العروسي عبدالله" منفذ عملية قتل الشرطي الفرنسي وزوجته كان قد تلقى التعليمات والتجنيد من "رشيد قاسم" عبر "التليغرام"، أما عملية نحر القسيس العجوز في شمال فرنسا فقد كان المنفذين في قوائم اتصال "رشيد قاسم" في حسابه في "التليغرام"، آخر العمليات الإرهابية التي تمت تحت رعاية "تليغرامية" حتى كتابة هذا المقال هو ما قامت به امرأة بمحاولة تفجير سيارة في أحد مناطق فرنسا الحيوية. "ابن قاسم" كما يحلو أن يكني نفسه في "التليغرام" كان قد تمكن من تشجيع أكثر من 300 متصل من ارتكاب هجمات إرهابية في بلدانهم بعد قيامه بنشر قائمة من الأهداف وطرق تنفيذها. إن ما يسمى التشفير الطرفي التام المطبق في أكثر تطبيقات الرسائل الفورية، أعطى الأمان للجهات الإرهابية بتنسيق عملياتهم وتجنيد اتباعهم بعيداً عن أعين الجهات الأمنية الحكومية تحت غطاء حفظ الخصوصية. بعد أن ضاقت السبل أمام المحققين الفرنسيين برصد وتحليل الملايين من الرسائل المشفرة المتبادلة في كل ساعة، خرج وزير الداخلية الفرنسي بتصريح يدعو فيه لتبنى مشروع على مستوى دولي لمحاربة هذا النوع من التشفير في تطبيقات الرسائل الفورية. اتفق وزير الداخلية الألماني مع نظيرة الفرنسي على ضرورة تقديم مقترح يجبر مقدمي خدمة الرسائل الفورية مثل الواتساب والتليغرام وغيرها على السماح للسلطات الأمنية من تجاوز التشفير وتمكينهم من تتبع ورصد الرسائل المشفرة لحفظ أمن مواطنيها، هذا المقترح سيكون على طاولة النقاش في اجتماع قادة دول أوروبا، إقرار مثل هذا المقترح لا يقلل من الدور المحوري الهام الذي يلعبه التشفير في تأمين الاتصالات والعمليات المالية ولكن ما يسعى له هؤلاء الوزراء هو إرساء التوازن بين الخصوصية والأمن. هذا بالمناسبة يقودنا إلى أن ما تقوم به شركات مزودي خدمة الإنترنت لدينا من استهتار وتعسف في حجب أو تطفيش لمستخدمي وسائل التواصل الصوتي على وجه الخصوص، فهو لأغراض مادية بحتة بعيدة كل البعد عن الجوانب الأمنية والخصوصية. أما الحجب لأغراض أمنية متعلقة بالأمن الوطني فهو يجب أن يمر من خلال دراسة شاملة يقوم بها مختصين أمنين وتقنيين في أجهزة حكومية رسمية لتقييم الحلول الممكنة لتجاوز أي تهديد أمني والعمل بذلك الاتجاه وفق استراتيجية واضحة المعالم والأهداف. اللطم والبكاء على عدم القدرة على رصد وتحليل هذه الرسائل المشفرة لا يجدي نفعاً، نحن أمام تحدي مختلف لمكافحة مغذي جديد للإرهاب. إحدى سبل مكافحة هذا المغذي في الدول الأوروبية والأمريكية يكون عن طريق زرع أفراد من الجهات الأمنية والاستخباراتية تكون مهمتهم التسلل ك"متطرفين" إلى غرف المحادثات والتجمعات المشبوهة لجمع أكبر عدد من المعلومات الاستخباراتية والأمنية، أهم عناصر نجاح هذا النوع من التصدي هو تأهيل أفراد الاستخبارات والأمن بالخلفية الثقافية لهؤلاء الإرهابيين لكسب ثقتهم والانسجام معهم وبالتالي التوصل للأهداف الأمنية المأمولة. مكافحة هذا الإرهاب المشفر في السعودية يجب أن يسري عليه ما يسري في مكافحة الإرهاب التقليدي من شراسة وقوه واستثنائية، بأن نتخذ الإجراءات الصارمة مهما كانت، وأن لا نلتفت للمرجفين لدينا أو في الدول الأخرى، سنقول لهم "صح النوم" للمرة الثانية كما قالها للمرة الأولى مستشار خادم الحرمين الشريفين أمير منطقة مكةالمكرمة خالد الفيصل لمن أراد أن يكافح الإرهاب الآن وليس قبل 20 سنة. *أكاديمي مختص في تقنية المعلومات