«هيئة الطرق»: مطبات السرعة على الطرق الرئيسية محظورة    هل اقتربت المواجهة بين روسيا و«الناتو»؟    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    الشاعر علي عكور: مؤسف أن يتصدَّر المشهد الأدبي الأقل قيمة !    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    الدفاع المدني: هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة    ترمب يستعيد المفهوم الدبلوماسي القديم «السلام من خلال القوة»    مشاعل السعيدان سيدة أعمال تسعى إلى الطموح والتحول الرقمي في القطاع العقاري    أشهرالأشقاء في عام المستديرة    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    أرصدة مشبوهة !    حلول ذكية لأزمة المواقف    التدمير الممنهج مازال مستمراً.. وصدور مذكرتي توقيف بحق نتنياهو وغالانت    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    المياه الوطنية: واحة بريدة صاحبة أول بصمة مائية في العالم    ترمب المنتصر الكبير    صرخة طفلة    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    البيع على الخارطة.. بين فرص الاستثمار وضمانات الحماية    فعل لا رد فعل    أخضرنا ضلّ الطريق    أشبال أخضر اليد يواجهون تونس في "عربية اليد"    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    لتكن لدينا وزارة للكفاءة الحكومية    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    المؤتمر للتوائم الملتصقة    دوري روشن: الهلال للمحافظة على صدارة الترتيب والاتحاد يترقب بلقاء الفتح    خبر سار للهلال بشأن سالم الدوسري    حالة مطرية على مناطق المملكة اعتباراً من يوم غدٍ الجمعة    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    عسير: إحباط تهريب (26) كغم من مادة الحشيش المخدر و (29100) قرص خاضع لتنظيم التداول الطبي    الأمن العام يشارك ضمن معرض وزارة الداخلية احتفاءً باليوم العالمي للطفل    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    أمير القصيم يستقبل عدد من أعضاء مجلس الشورى ومنسوبي المؤسسة الخيرية لرعاية الأيتام    مدير عام فرع وزارة الصحة بجازان يستقبل مدير مستشفى القوات المسلحة بالمنطقة    ضيوف الملك: المملكة لم تبخل يوما على المسلمين    سفارة السعودية في باكستان: المملكة تدين الهجوم على نقطة تفتيش مشتركة في مدينة "بانو"    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    «المسيار» والوجبات السريعة    أفراح آل الطلاقي وآل بخيت    رسالة إنسانية    " لعبة الضوء والظل" ب 121 مليون دولار    وزير العدل يبحث مع رئيس" مؤتمر لاهاي" تعزيز التعاون    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة والزيارة للمدينة المنورة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوهام الدكتور زيدان علي جاسم
نشر في الرياض يوم 01 - 10 - 2016

نشرت جريدة الرياض في(20/12/1437ه) تعقيب الدكتور زيدان علي جاسم، عضو هيئة التدريس في جامعة القصيم، على تغريداتي عن بعض أوهامه التي يسميها "أبحاثًا" يزعم فيها أن اللغة العربية أصلٌ للغات العالَم كله، ومن أخصها ما يسمى بأسْرة "اللغات الهندية الأوروبية" التي يزعم أنها "لهجات عربية". ولم يتضمن تعقيب الدكتور جاسم شيئا جديدا؛ فهو تكرار لما كتبه في أوهامه التي تضرب في هذا النهج التخيلي غير العلمي منذ سنة 2012م، وكتب إلى الآن أكثر من 52 "بحثا" فيه. ولا تمثل هذه الكثرة في الإنتاج ثراء بحثيا؛ ذلك أنها جميعا تتماثل، ولا يختلف الواحد عن الآخر منها إلا في الأمثلة التي يأتي بها تطبيقا لما يظنه أساسا نظريا. ف"أبحاثه" جميعا ليست إلا "بحثا" واحدا يُدخِل عليه تنويعا مختلفا في كل مرة.
والدكتور زيدان متخصص في تعليم اللغة الإنجليزية لغة ثانية، وكانت معظم أبحاثه تتعلق بهذا الاهتمام حتى سنة 2012م التي شهدت بداية أوهامه الجديدة.
وكان أول ما اطلعت عليه من تلك الأوهام ما جاء بالعنوان اللافت التالي:
"English, German, French, Latin, Greek, and Sanskrit are Entirely Arabic- /Free Good Lovely Comely Merry Beautiful Girls Marry Noble Villains in Engagement and Wedding Rings Ceremoniously: A Radical Linguistic Theory Approach".
"الإنجليزية والألمانية والفرنسية واللاتينية والسنسكريتية (لغات) عربية بشكل خالص.. مقاربة لسانية نظرية جذرية".
ولما رأيتُ هذا العنوان ظننت بادئ الرأي أن الدكتور زيدان سوف يَسخَر من هذه المقولة. لكن تبين لي بعد أن أكملتُ قراءة العنوان أن الأمر على خلاف ذلك!
وغرض الدكتور جاسم من هذا "البحث" أن يؤكد أن اللغات البشرية كلها قديمها وحديثها، بعيدها وقريبها، تعود إلى أصل واحد هو اللغة العربية. وليس هذا "البحث"، ولا هذا الباحث، الوحيدين، كما نعرف جميعا، الذي يزعم هذا الزعم؛ فقد سبقتْه كتبٌ كثيرة ومقالات أكثر في هذا المنحى لا تقل عنه حماسًا لإعادة اللغات كلها إلى العربية، ولا تزيد أوهامه عن المحاولات السابقة إلا بالهذر الذي أوقعه في مواقف تدعو إلى السخرية.
وكنت عرضتُ لهذه المزاعم، التي تثار دائما، في مقالي "التحيز اللغوي" الذي أعدت نشره في كتابي "التحيز اللغوي وقضايا أخرى".
ومن اللافت أننا نجد، في مقابل هذه الادعاءات بأن اللغة العربية أصل اللغات كلها، ومنها أسرة اللغات الهندية الأوروبية، ادعاءاتٍ أخرى تزعم أن اللغة العربية تنتسب إلى أسرة اللغات الهندية الأوروبية. ومن أشهر مروجي تلك الادعاءات الكاتبُ المصري المعروف لويس عوض الذي كتب كتابا ضخما عما يراه تدليلا على ادعائه هذا. وكنت كتبت مراجعة لهذا الكتاب الملآن بالادعاءات بعنوان: "دراسة تحليلية لآراء الدكتور لويس عوض (مقدمة في فقه اللغة العربية. القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1980م) عن الصلة بين "مجموعة اللغات الهندية الأوروبية، ومجموعة اللغات الحامية السامية "، مراجعات لسانية، ج1، (كتاب الرياض، 79)، 1421ه، ص ص 127168).
والسؤال الآن: ما الذي تختلف فيه "أبحاث" الدكتور زيدان جاسم عن الادعاءات السابقة؟ وجواب ذلك بسيط جدا إذا ما ألقينا نظرة ولو عجلى على ما كتبه في هذا "البحث" أو في "الأبحاث" الأخرى التي تجاوزت الخمسين وكرر فيها ما قاله في "بحثه" هذا موردا مزيدا من الأمثلة التي تدعو إلى المزيد من الشك في طريقة تحليله وفي نتائجه التي بناها على ذلك النهج.
وأول ما يلحظ على "الأبحاث" الكثيرة التي أوردها في قائمة مراجعه أن الأغلبية الغالبة منها منشور في مجلات إلكترونية مغمورة. كما أن أكثر مراجعه "أبحاث" سابقة له هو يوردها في متن النص للاستشهاد بها. ويعرف الباحثون أن هذه الطريقة معيبة لأن الاستشهاد لدعم وجهة نظر الباحث يجب أن يكون من غيره.
ويبرز سؤال هنا: لماذا لم يقدِّم الدكتور جاسم بعض هذه "الأبحاث" إلى الدوريات العلمية المعتبرة في العالم العربي أو في الغرب؟ ولماذا لم يشارك بها في المؤتمرات الكثيرة عن الدراسات اللسانية العربية أو الدراسات السامية أو اللسانيات التاريخية؟ والجواب واضح؛ وهو أن أية دورية علمية تحترم نفسها لن تقبلها للنشر فيها، ولن يقبل أي مؤتمر علمي مثل هذا السخف.
وكان من سوء حظ الدكتور جاسم أنه وضع هامشا في نهاية "بحثه" هذا يشكر فيه البروفيسورة باترك دينيت أستاذة كرسيّ شرفيّ في جامعة ويسكانسن ماديسون الأمريكية:
Professor Emeritus Patrick Bennet of the University of Wisconsin at Madison
ويقول إنه ناقش معها النص الذي حلَّله واستشهد به على عودة أصول اللغات التي ذكرها كلها إلى اللغة العربية. وحمَلني هذا على الكتابة إلى البروفيسورة باترك بينيت لأسألها عما تعرفه عن الدكتور جاسم ومشروعه. وقد أجابتني مشكورة في 8/8/2016م بما ملخصه أن مشروع الدكتور جاسم لا يتسق مع ما يعرفه المتخصصون في مقارناتهم اللغوية التي تسعى لاكتشاف الصلات التاريخية بين اللغات، وهو يقيم تحليلاته على التشابهات الظاهرية بين العربية وغيرها.
كما قالت البروفيسورة في رسالة أخرى في اليوم نفسه إنها حاولت كثيرا توجيهه بلطف ليتقيد بالتقنيات التي يتبعها المتخصصون في "اللسانيات التاريخية المقارنة".
ولا يخفى أن قصد الدكتور جاسم من إيراد اسم الدكتورة بينيت إنما هو للإيحاء بأن مشروعه يحظى باعتراف هذه المتخصصة، في الأقل، مما يضفي شيئا من المصداقية العلمية على عمله (والملاحظ أنه لم يعد يشكرها في "أبحاثه" التي تلت نشري لجوابها عن مشروعه!).
وهذه ترجمة كاملة لجواب البروفيسورة دينيت عن رسالتي:
"أتذكر جيدا نقاشي مع الدكتور جاسم قبل سنوات. نسيتُ الآن عن كيف بدأ ذلك النقاش لكن محور نقاشنا في عدة جلسات كان عن التاريخ اللساني. لن أحاول هنا إعادة [ما جرى في ذلك النقاش]، لكني سأورد بعض النقاط المهمة منه:
1 يعاني تحليله من تجاهل التراسل الصوتي المطرِدregular correspondence . وأنا أعرف معرفة أكيدة أن بعض الألفاظ كالكلمات السامية ل"ضفدع"، تبين عما أسماه مالكولم جوثري "انحرافا". وقلما يمكن تأكيد الانتظام (في التراسل بين الأصوات بين اللغات المختلفة) إذا تجاوزنا حدا معينا من العمق الزمني. لكن التراسل المطرد (بين الأصوات في لغات مختلفة) الذي لا يمكن تأكيده يحتاج إلى أن يُتناول بعناية فائقة. أما الدكتور جاسم فيَقنَع في كثير من الأحيان بالتشابهات السطحية.
2 فهو يَنظر، في مسعاه ليبحث عن المعجم والصرف العربيين في الإنجليزية وغيرها، إلى الإنجليزية والعربية المعاصرتين بدلا من [النظر إلى طوري اللغتين النظريين المسميين ب"ماقبل السامية" و"ماقبل الجرمانية" أو حتى "ماقبل الهندية والأوروبية". وكنت رأيت آخرين يرتكبون هذا الخطأ نفسه لكننا حين نجد أسلافا لكلمات في الإنجليزية والعربية لا تتشابه فذلك ما يضعف الحجة.
3 لا يبدو أن (الدكتور جاسم) يحاول أن يميز الإرث المشترك من الاقتراض والمتشابهات تشابها عارضا. ولن يكون هذا مهمًّا جدا إن كان سيستخدم هذه المتشابهات ليساعد الطلاب على تذكرها. لكنها تمثل مشكلة حين تستخدم لمناقشة الماضي (اللغوي).
4 لا شك أن هناك تشابهات بنيوية عميقة بين (الأسرة اللغوية) "ماقبل الهندية الأوروبية" والأسرة اللغوي) "ماقبل الإفريقية الآسيوية" ولا يشك أحد في أن بعض أجزاء المعجم تشهد إما بالاقتراض أو بالاشتراك الوراثي (بين الأسرتين اللغويتين) انظر مثلا إلى الكلمة اللاتينية المشهورة = Taurus "ثور". وليس باستطاعتي القول إن كانت [هذه الكلمة] تعني وجود علاقة عميقة (بين الأسرتين اللغوتين)، لكني لا أستطيع أن أنفي هذه العلاقة. لكن العلاقة مختلفة جدا عما يقدمه (الدكتور جاسم).
وباختصار، فأنا أرى في عمله كثيرا من الطاقة، وبعض فرضياته تستحق بعض التقصي. لكننا، في غياب منهجية مطردة، لن نكون في وضع أفضل منا حين "نبرهن" أن بين اللغة المصرية القديمة ولغة كويشوا (إحدى لغات سكان أمريكا الأصليين) "علاقة" وكانت تلك نكتة صغتُها بطلب من إحدى الزميلات!".
ومؤدى كلام البروفيسورة دينيت أنه يتضح في "بحث" الدكتور جاسم هذا و"أبحاثه" الأخرى أنه سيكون جهدا عبثيا في غياب التقيد بمنهجية صارمة في المقارنة، وهو ما سيؤدي إلى ردِّ أية كلمة في أية لغة إلى ما نريده من الأصول.
ولا يمكن أن أورد هنا كثيرا من الأمثلة التي حلل فيها الدكتور زيدان الكيفياتِ التي تغيرت بها بعض الكلمات من العربية حتى وصلت إلى شكلها الحالي في اللغات الأوروبية وغيرها. ذلك أنها تبلغ حدا من السخف لا يطاق. ويبلغ بعضها حدا بعيدا من الطرافة يجعلني أخجل من إيراد اشتقاقه لها، كاشتقاقه كلمتيsex و come في الإنجليزية من العربية!
وربما يمكن الإشارة باقتضاب إلى تحليله كلمة Divorce "طلاق" في اللغات الأوروبية قديمها وحديثها ليُرجعها إلى الكلمة العربية "تفريق، تفرَّق"!
وبعد نشر الدكتور زيدان "بحثه" السابق بأسبوعين تقريبا نشر "بحثا" مماثلا بعنوان مقارب لعنوان "بحثه" السابق وهو:
The Arabic Origins and Development of English, German, French, and Indo-European Languages: A Radical Approach
"الأصول العربية وتطور الإنجليزية والألمانية والفرنسية واللغات الهندية الأوروبية: مقاربة جذرية".
فأرسلت "البحث" إلى البروفيسورة دينيت للاستئناس برأيها فيه كذلك. فأجابتني مشكورة برسالة مفصلة عن ذلك، وسمحت لي بالاستشهاد برسالتها، ويمكن أن أورد منها ما يلي:
"شكرا على إرسالك [هذا "البحث"]. وقد كتبت ما ستجده هنا على عجل لكنه يغطي أكثر النقاط أهمية.
وكنا الاثنين الماضي في جنازة (البروفيسورة) هازل كارتر التي ظلت زميلة وصديقة منذ 1965؛ وهي وأنا في التخصص نفسه ولو قَرأتْ (ما كتبه جاسم) لكتبتْ عددا أكبر من الملحوظات اللاذعة.
وهنا أورد ملحوظاتي الأكثر لطفا.
ولن يكون ما سأكتبه مراجعة دقيقة إذ لن يزيد عن كونه رد فعل في نقاط متتابعة. أما المراجعة الكاملة فربما تكون في صفحات أكثر من (صفحات "بحث" جاسم).
من الصعب تحديد نقطة البداية (في هذه الملحوظات). وربما تكون نقطة البداية زعمَه "أن اللغات البشرية كلها . . . نشأت عن لغة واحدة كاملة بشكل مفاجئ وهي اللغة التي زعم أنها حُفظت بشكل يكاد يكون كاملا في العربية.
1 يفترض كثير من الناس أصلا واحدا واختراعا حدث لمرة واحدة للغة البشرية.
ومع أن هذا الافتراض ربما يكون لافتا للنظر من حيث الاقتصاد والإمكان نظريا إلا أنه ليس ثمَّ طريق لاختباره.
2 ليس في اللسانيات تصنيف يعني (لغة) "كاملة". فنحن نميز بين ما يسمى باللغات الهجين واللغات التي تفي بحاجات ثقافة ما؛ لكن لغة "كِرِي" ليست أكثر ولا أقل من اللغة التركية وفاء بصفتها وسيلة للتواصل.
3 أفترض أن (جاسم) يريد أن يزعم بعبارته "لغة ظهرت فجأة" أن تلك اللغة ظهرت وظيفيا بشكلها الكامل بسرعة في مقابل التطور التدريجي الذي يفترضه معظم المتخصصين. وربما تفترض هذه "الفجائية" أنه حين حدثت اللغة كان البشر لا يزيدون عن جماعة صغيرة جدا منزوية في منطقة صغيرة جدا. ويمكن لعلماء الآثار والأناسة أن يقولوا المزيد عن هذا الأمر.
يضاف إلى هذا أن (جاسم) يرفض المنهج اللساني التاريخي المعيار ونتائجه كلها مستبدلا به افتراضات قَبْلية. وإذا افترضنا وجود صلة بين الإنجليزية والعربية وهو ما لا أنفيه بكل تأكيد فسيكون الإجراء المعيار (لإيضاح هذه الصلة) كما يلي:
1 قارن الإنجليزية باللغة الفريزية والهولندية واللغات الجرمانية الأخرى، ويشمل ذلك ما نعرفه عن اللغات التي جاءت منها الإنجليزية مثل الإنجليزية القديمة والنورسية القديمة والألمانية العليا القديمة والقوطية لكي تبني صورة للغةِ "ما قبل الجرمانية".
2 قارن العربية بالأمهرية واللغات السامية الأخرى وهو ما يشمل اللغات القديمة مثل العبرية والجعزية والسريانية والآكادية لكي تبني صورة للغةِ "ما قبل السامية."
3 قارن اللغة الجرمانية المفترَضة بالافتراضات اللغوية لجماعات اللغات المشابهة مثل السلافية والهندية والكلتية لكي تبني صورة للغة المفترضة التي تسمى لغة "ماقبل اللغات الأوروبية الهندية".
4 قارن اللغة "ماقبل السامية" المفترَضة بمجموعات اللغات المفترضة المشابهة مثل الأمازيغية والتشادية والكوشية لكي تبني صورة للغة المفترضة "ماقبل اللغة الإفريقية الآسيوية".
5 ختاما، حدِّد أي الخصائص في اللغة "ماقبل الإفريقية الآسيوية" واللغة "ماقبل الهندية الأوروبية" التي يمكن أن تكون مشتركة.
وتبحث الممارسة العلمية المعيارية في كل هذا عما يمكن أن يكون قابلا للإحصاء وإمكان التكذيب والأهمية.
افرض أن الكلمة التي تدل على القط في لغتين مختلفتين هي [ماو] والكلمة التي تدل على الغراب هي [قا]. ونحن لن ننظر إلى هذا التماثل على أنه دليل مهم على وجود صلة بينهما.
افترض أن الكلمة التي تدل على "كتاب" في لغتين هي [بوكو] وأن الكلمة التي تدل على "رسالة" فيهما هي [ليتا]. ونحن لن نعد ذلك على أنه مهم للغاية بصفته دليلا.
لكن جاسم يفترض، بدلا من ذلك، أنه يجب أن تكون أي كلمة في أي لغة تقريبا على صلة بكلمة عربية أو ربما مشتقة منها بالمعنى نفسه تقريبا. كما يمكن لأي صوت في اللغة العربية أن يكون أصلا لأي صوت في الإنجليزية، وأنه يمكن اشتقاق أي كلمة إنجليزية من ثلاثة أصول عربية أو أربعة أو أكثر. ولا يبدو أنه يعي أن استخدامه هذه الطرق في اشتقاق كلمة [write] من الكلمة العربية [قرأ] يجعل من الممكن لشخص آخر أن يشتق ببساطة كلمة [قرأ] من الكلمة الإنجليزية [write ] في اللغة الإنجليزية الكاملة الفجائية وهو اشتقاق يماثل من حيث المعقولية اشتقاقَه تماما.
وخلاصة الأمر أني أجد عمل جاسم مخيبا للآمال ومؤسفا. فهو مخيب للآمال لأن جهدا وحماسا كبيرين استنفدا في عمل غير مقنَّن وفي جهد لا يمكن [التأكد من معقوليته ب] إعادة إنتاجه. أما أنه مؤسف فيعود إلى أن شيئًا مثل هذا مايزال يُنشر حتى الآن مع أنه أبعد ما يكون عن معايير العلم ويمكن أن يجد من يحمله على محمل الجد.
وأسوأ من ذلك كله أن مثل هذا العمل يمكن أن يسد الطريق أمام البحث المستقصي الجاد عن احتمال وجود ارتباطات حقيقية بين أسرة اللغات "الإفريقية الآسيوية" وأسرة "اللغات الهندية الأوروبية".
ثم يعود الدكتور زيدان علي جاسم فينشر "بحثا" جديدا عنوانه:
Vocabulary Learning and Teaching: A Radical Linguistic Theory Approach
"تعلُّم المفردات وتعليمها: مقاربة لسانية نظرية جذرية" ليُكرر مزاعمه الفارغة عن أن اللغة العربية هي الأصلُ الذي تفرعت عنه اللغات القديمة والحديثة كلها. وهو "بحث" لا يختلف عن "بحثيه" السابقين، ويشهد بأنه إنما يضرب في متاهة لا تحدُّها حدود منهجية وتؤدي إلى نتائج مضحكة أحيانا ومثيرة للحنق دائمًا.
ويمثل "البحث" الحالي مثالا واضحا لمدى تنكُّبه المناهج العلمية في تناول موضوعه وإطلاق خياله لربط الصلة بين أية كلمة في لغات أخرى بما يتخيل أنه أصلها في اللغة العربية.
والغريب في "البحث" الحالي أنه يريد أن يدرِّس الطلاب اللغة الإنجليزية من خلال هذا النهج الذي يظنه تاريخيا. ولو تتبعنا ما يقول لوجدنا أنه يَؤول كلُّه إلى أنه لا يعلِّم طلابَه اللغة الإنجليزية بقدر ما يعلمهم مزاعمَ خرافية مؤداها أن الكلمات الإنجليزية التي يتعلمونها عربية الأصل بحسب الطرق الملتوية التي لا يحسن رسمها إلا هو.
وللتمثيل على العبث الذي يأتي به يكفي إيراد ثلاثة أمثلة من "بحثه" هذا. والمثال الأول زعمُه أن العبارة الدينية المسيحية "هاليلولا" إنما هي العبارة الإسلامية "لا إله إلا الله" نفسها!
والمثال الثاني اشتقاقُه كلمة "ديموقراطية". فيقول:
Democracy is a compound of Greek (a) demo- ‘Adam, human, people' (n.), from Arabic ‘adam ‘adam, human' (n) آدم and (b) kratia ‘ability', from Arabic qudrat ‘ability, power' قدرة via reordering and turning /d/ into t/. That is, democracy is qudrat ‘adam قدرة آدم, which is what it is in reality the world over. The difference lies in spelling, reordering, sound change, and use.
"ويجزِّئ زيدان هذه الكلمة ليعيد كلَّ واحد من أجزائها إلى أصله العربي: ف"ديمو "مأخوذة من الكلمة العربية "آدم"، و"كراتيا" من الكلمة العربية "قُدرة". وبهذا فكلمة "ديموكرسي" مأخوذة من العبارة العربية "قدرةُ آدم"!
والمثال الثالث هو التالي الذي أستحي أن أترجمه إلى العربية لمضمونه ولسخفه:
Eros (erotica) is from Arabic ‘air أير ‘penis' (cf. 3arees ‘bridegroom' عريسand 3arS ‘sexually loose person' عرص via /3/-loss) (Jassem 2013q). The suffixes –s and –t are variants, both of which derive from Arabic –t via morphological split, while –ic from dialectal Arabic –ij
ويستحق مشروع الدكتور زيدان جاسم فحصا أكثر تفصيلا لبيان خروجه عن المناهج العلمية المنضبطة وتلبُّسِه بالأدلجة المفرِطة التي تسد المسارَ العلمي الذي يمكن أن يؤدي إلى اكتشاف الظواهر التي تؤثر فينا نحن بني الإنسان، ومن أخصِّها اللغة.
والمحصلة النهائية لعبثه وأوهامه أنها تخرج على المنهج العلمي المتبع في الدراسات اللسانية التاريخية، كما أشارت إلى ذلك البروفيسورة باتريك دينيت.
وخلاصة القول ان عمل الدكتور زيدان لا يسهم في تقدم المعرفة اللسانية عن اللغة العربية ولا تخصص المقارنة التاريخية بين اللغات الذي ازدهر كثيرا خلال المئتي سنة الماضية (ويمكن الاطلاع على إطلالة مختصرة على الجهود التي يقوم بها المتخصصون في جمع اللغات في مجموعات لغوية قليلة في الفصل الثامن من كتاب ستيفن بنكر "الغريزة اللغوية: كيف يبني العقلُ اللغة"، ترجمة حمزة المزيني).
ومن المشكلات التي يمكن أن تؤدي إليها "الأبحاث" التي رأينا نماذج منها، وآخرها "أبحاث" الدكتور زيدان، أنها تَصُد عن النظرة الموضوعية للغة العربية، وتنتقص من اللغات الأخرى، وتثبط عزائم الباحثين الشباب الذين يسعون إلى اكتشاف المنجزات العلمية الهائلة في اللسانيات طوال الستين سنة الماضية.
وختاما، فمن الغريب جدا أن يدرِّس في الجامعة. ووجه الخطر في وجوده أنه ربما يؤسس لتقليد فيها، وعند طلابه، ينهج منهجه غير العلمي ويؤسس لتوجهات آيديولوجية لا تقيم وزنا لما انتهت إليه الدراسات اللسانية التاريخية المنضبطة في دراسة الصلات النَّسَبية بين اللغات والأُسَر اللغوية في العالم.
صورة لحوار د.زيدان المنشور في جريدة الرياض


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.