في يونيو الماضي قررت التوقف في الفليبين قبل مواصلة رحلتي الطويلة إلى اليابان.. لم أستقر في مانيلا بل ذهبت مباشرة إلى جزيرة تدعى (بالاوان) لاستكمال قائمة الأحلام ورؤية نهرها الجوفي.. أحد عجائب الطبيعة الجديدة.. الجزيرة بحد ذاتها متواضعة ولم تكن مشهورة قبل دخول نهرها الجوفي قائمة الأعاجيب الجديدة.. لم أكن أعرف كيف سأذهب للنهر فطلبت من موظف الاستقبال في الفندق استئجار سيارة تأخذني إلى هناك. رحب بذلك وأجرى اتصالاً سريعاً ثم قال لي: غداً صباحاً سيأتي السائق ليأخذك إلى الموقع. ورغم أنني طلبت سيارة خاصة، حضر باص يحمل أحد عشر سائحاً من جنسيات مختلفة.. وخلال رحلتنا التي استغرقت ساعة ونصف (من عاصمة الجزيرة برتو برنسيسا) أخبرنا المرشد السياحي عن كيفية اختيار النهر الجوفي ضمن عجائب الطبيعة السبع الجديدة (وجميعها معلومات كنت أعرفها).. وحين انتهى حاول إجراء مسابقة بين الركاب فقال: سأقدم غداء مجانياً لكل من يخبرني بأعجوبة واحدة من بقية الأعاجيب السبع؟ كنت الوحيد الذي رفع يده وقلت: "جبل الطاولة في جنوب أفريقيا".. قال بصوت مرتفع: هذا السيد في آخر الباص يستحق غداء مجانياً.. حسناً.. من يخبرني بأعجوبة ثانية؟ لم يرفع أحد يده فرفعت يدي مجدداً وقلت: "شلالات جوازو بين البرازيل والأرجنتين" قال بصوت مرتفع هذا السيد يستحق غداءين مجانيين.. من يخبرني بأعجوبة ثالثة؟ رفعت يدي فحاول تجاهلي، ولكن حين لم يجبه أحد أشار إليّ فقلت: "جزيرة كومودو في أندونيسيا".. وحين سأل عن بقية الأعاجيب لم أرفع يدي (مجاملة لبقية الركاب) ولكن كان معظمهم ينظرون إليّ خلسة بانتظار الجواب.. وحين توقفنا في منتصف الطريق أحضر لي وجبة مجانية فأصررت على دفع قيمتها فجلس أمامي وسألني: بعد المرة الثالثة توقعت معرفتك لبقية الأعاجيب السبعة.. ابتسمت وقلت: أنا لا أعرفها فقط بل وزرت ستة منها حتى الآن.. منحني ابتسامة إنكار فأشرت إلى قبعتي التي كتب عليها (جبل الطاولة مارس 2016) ثم فتحت جوالي لأريه صوري في أنستغرام.. وحين أبدى إعجابه بالصور قلت له: اسمع، إن التقطت لي صوراً جميلة حين نصل للنهر سأمنحك خمسين دولاراً وغداءً مجانياً.. فوافق على الفور.. أما النهر الجوفي ذاته فيمتد لأكثر من 24 كلم معروفة تحت سلسلة جبلية ضخمة (وهي فقط المسافة التي تم استكشافها حتى الآن).. أما قوارب السياح فلا يمكنها الإبحار لأكثر من أربعة كيلومترات يتراوح خلالها ارتفاع الكهوف بين خمسين إلى نصف متر فقط.. وهذه المسافة بالذات مليئة بالخفافيش والتشكيلات الكلسية والصخرية المدهشة (لدرجة توجد منطقة يطلق عليها سوق الخضار بسبب تشكيلات الصخور التي تشبة الخيار والخس والثوم وشتى أنواع الفواكه). وفي عام 2007 اتضح أن مصب النهر في الطرف الآخر من الجزيرة منخفض عن مدخله وهو مايعني وجود شلال مجهول داخله.. وتم اختيار النهر كأحد أعاجيب الطبيعة في تصويت عالمي ظهرت نتائجه في 11/11/2011 (علما أنه كان ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام1999).. وكانت مؤسسة سويسرية متخصصة (تدعى New7Wonders Foundation) قد بدأت في استقبال عشرات الترشيحات منذ عام 2007 عبر موقع الكتروني خاص. وفي المرحلة الأولى قبلت 440 موقعاً من مختلف الدول (من بينها البحر الميت في فلسطين ومغارة جعيته في لبنان وجزيرة بوطينة في الإمارت العربية).. وفي النهاية صوت مئة مليون مشارك على اختيار سبعة مواقع طبيعية فقط هي: شلالات جوازو، والنهر الجوفي، وجبل الطاولة، وغابات الأمازون، وجزيرة جيو (في كوريا الجنوبية) وجزيرة كومودو (حيث تعيش زواحف الكومودو الضخمة) وخليج هولونج (الوحيد الذي لم أزره رغم زيارتي لفيتنام عام 2011).. شاهدوا صور النهر الجوفي في غوغل أو الانستغرام.. وسأخبركم حين أذهب مجدداً لفيتنام.