التزام السعودية تجاه خدمة الحرمين ساهم في حجم إنفاق غير مسبوق عبر تاريخ الإسلام كله وهذا يعطي العالم دلالة واضحة أن السعودية دولة تدرك دورها التاريخي كون الحرمين يقعان ضمن أراضيها كمقدسات إسلامية تشغل الأماكن المقدسة في العالم كله حيزاً كبيراً من الاهتمام والرعاية حيث لا مجال للإخفاق في خدمة تلك الأماكن، كونها تحظى بكم هائل من الأتباع المهتمين وهذا يحدث في كل أنحاء العالم، وإذا تحدثنا عن الأماكن المقدسة في الإسلام فإننا من المؤكد نتحدث عن مكةالمكرمة والمدينة المنورة، فالأولى فيها بيت الله الحرام والثانية فيها مسجد نبي المسلمين عليه الصلاة والسلام، والحقيقة أن محور التكوين السياسي في السعودية عبر تاريخها الطويل يرتكز وبشكل مباشر على مسؤوليتها الأساسية في خدمة الإسلام كونها الدولة الإسلامية التي توجد على أراضيها مقدسات دينية يهتم لشأنها إكثر من مليار مسلم. الإطار السياسي لدولة مثل الممكلة العربية السعودية ارتكز عبر تاريخه لتأكيد حقيقة واحدة متمثلة في خدمة الإسلام بشكل تام انطلاقاً من المعطيات التاريخية التي تتمتع بها السعودية، فوجود الحرمين فيها شكل محوراً لكل السياسات الداخلية والخارجية والمتتبع لخطبة الملك عبدالعزيز رحمه الله عندما دخل مكة لأول مرة في بدايات العقد الثالث من القرن الماضي يدرك أن تاريخ السعودية الحديثة في ذلك الخطاب وضع الاستراتيجية الأولى للسياسات السعودية تجاه خدمة الإسلام والمسلمين. منذ ذلك التاريخ تم توظيف المعطيات جميعا من أجل خدمة المقدسات الإسلامية بهدف تهيئتها كمواقع مقدسة حيث موسم الحج المتكرر سنويا وموسم العمرة المتجدد بشكل يومي تقريبا، ولعل السؤال المهم الآن حول تلك العلاقة التاريخية التي جمعت بين السعوديين وبين خدمة الإسلام من خلال تهيئة تلك المقدسات الإسلامية لتكون جاهزة على مدار الساعة لتستقبل كل مسلم يأتي من أي بقعة في العالم لزيارة تلك المقدسات. خلال أكثر من مئة عام مضت أنفقت السعودية مئات المليارات من الريالات ولم تفرض رسوماً على الحج أو العمرة بل استثمرت نسبة كبيرة من عائدات النفط المصدر الاقتصادي الأهم في السعودية بهدف خدمة الأماكن المقدسة وتحسين الخدمات وتهيئة سبل الوصول اليها، خلال التاريخ السعودي في خدمة الأماكن المقدسة اكتشف العالم كله ان الإنفاق على الحرمين الشريفين يحتل جزءاً مهماً وكبيراً في جميع السياسات التي تبناها ملوك السعودية منذ عهد الملك عبدالعزيز وحتى عهد الملك سلمان. التزام السعودية تجاه خدمة الحرمين ساهم في حجم إنفاق غير مسبوق عبر تاريخ الإسلام كله وهذا يعطي العالم دلالة واضحة أن السعودية دولة تدرك دورها التاريخي كون الحرمين يقعان ضمن أراضيها كمقدسات إسلامية، فعبر تأصيل راسخ أثبتت السعودية أنها دولة قادرة على تقديم أرقى معايير الاهتمام بالأماكن المقدسة حيث يتجه المسلمون في كل أنحاء العالم، هذه المعطيات أكدت أحقية السعودية وتفردها في تقديم نفسها كراعٍ قادر بكل المقاييس على الاهتمام بالمقدسات الإسلامية على الأراضي السعودية. شيء مهم لابد من الحديث عنه يتمثل في كون السعودية ومنذ نشأتها ربطت سياساتها وبشكل تاريخي مميز عبر الالتزام بخدمة الإسلام من خلال الأماكن المقدسة ومن خلال دعم المسلمين وهذا ما صنع مرتكزات التكوين للدولة السعودية الحديثة المتمثلة في خدمة الإسلام عبر توظيف الإمكانات الاقتصاية والشعبية وترسيخ مبادئ تقوم على أن السياسات السعودية ملتزمة بوظيفتها الإسلامية المعتدلة ودورها التاريخي في خدمة الإسلام. ومع كل هذه الميزة التاريخية للدور السعوددي في خدمة الإسلام كدين وكمقدسات تشكلت السياسات السعودية وتبلورت أركانها وفق هذه المعطيات وواجهت السعودية عبر تاريخها الكثير من الأصوات التي حاولت أن تنال من السعودية وعلاقتها الإسلامية ولكن هذا لم يكن ليصل لدرجة التأثير على الموقف السعودي تجاه خدمة الإسلام، فالسعودية دولة قامت وتشكلت في إطار إسلامي معتدل ساهمت في بنائه الظروف التاريخية والجغرافية. عبر سنوات الدولة السعودية الحديثة تشكلت علاقة مميزة بين السعوديين والحج وتم توظيف جميع المعطيات الاقتصادية المتمثلة (بالنفط) والتاريخية والمتمثلة في خدمة الإسلام، والسياسية المثملة في تقديم الإسلام سياسياً كدين تسامح ودين عالمي منتشر في العالم، وصنعت تلك العلاقة المميزة بين السعودين كحكومة وشعب ثقافة سياسية عبر العالم الإسلامي وكل المسملين في العالم بأن الممكلة العربية السعودية الدولة الأكثر قدرة على حمل ذلك اللواء التاريخي من أجل خدمة الإسلام والمسلمين. ومع كل هذه السمات التاريخية التي غيرت الكثير من المفاهيم حول خدمة الإسلام وصنعت مساراً مميزاً لخدمة الإسلام والمسملين عبر العالم إلا أن ظاهرة تسييس الحج وخدمة الإسلام لازالت تظهر في الكثير من المواقف الصادرة من بعض الدول الإسلامية وتحديدا إيران التي تحاول أن تغير من مظاهر الإسلام التي ورثها المسملون عن نبيهم في كيفية أداء الحج وطقوسه وشعائره، إيران تحاول أن تضيف مفاهيمها الخاصة حول الحج من خلال إدخال منهج مخالف للإسلام يقوم على فرض المظاهرات وترديد الشعارات التي لا تمثل المنهج الإسلامي الصحيح لشعيرة الحج والتي حافظ عليها المسملون لأكثر من أربعة عشر قرنا من الزمان. الحقيقة التاريخية تقول إن الإسلام والمسلمين لديهم القدرة على التخلص من الإضافات غير الإسلامية وخاصة في قضية الركن الخامس للإسلام، كما ان السعودية دولة مركزية في العالم ولديها القدرات التاريخية والسياسية على منع كل ما يمكن أن يساهم في الإساءة إلى موسم الحج كونها دولة ذات مسؤولية عالمية عن المقدسات الإسلامية، ومع كل ما يحدث اليوم فالمسؤولية التي تلتزم بها السعودية تجاه الحج لن تلتفت لدولة بعينها ترغب في تحويل مناسبة الحج إلى شكل من التهريج السياسي فكل القادمين إلى مكة أهدافهم تكملة عقيدتهم باستكمال الركن الخامس للإسلام، لذلك لا أعتقد أن تأثيراً مهما كان حجم آلته الإعلامية سيكون له أثر في تغيير تلك المهمة التاريخية لدور السعودية في مسارها السياسي لخدمة الإسلام. [email protected]